لغة الضاد .. الحصن الأخير للهوية..بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
اللغة العربية أو لغة الضاد كما يحلو لعشاقها أن يسموها، هي واحدة من أقدم اللغات المعاصرة، وأكثرها ثراء بما يربو على اثنتي عشرة مليونا من المفردات، وهي لغة القرآن العظيم والأحاديث النبوية الشريفة، وهى اللغة الرسمية الأولى لسكان شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين وبلاد الشام وشمال أفريقيا، وهي اللغة الشعائرية والتشريعية لمليار ونصف مسلم على وجه الأرض.
كما أن بعض الكنائس العربية لاتزال تستخدم اللغة العربية في شعائرها، وقد كتب بها اليهود في الشرق الأوسط أعمالهم الأدبية وتخاطبوا بها، لذلك نجدها أكثر اللغات تأثيرا في الأديان السماوية الثلاث، ويكفي لغتنا العربية فخرا أنها اللغة التي اصطفاها الله للإسلام، الدين الخاتم، ولنسخ ما سبق من شرائع محرفة، ولتكون الإنذار الأخير للعالمين من ربهم الملك القدير سبحانه وتعالى.
فلغة القرآن هي الخالدة بعد فناء اللغات وهى التي كانت ولاتزال مؤثرة في كل الحضارات قديما وحديثا حتى ان منظمة الأمم المتحدة وبعد جهود عربية ديبلوماسية قامت باعتماد اللغة العربية في جدول أعمالها وذلك بتاريخ 18 ديسمبر 1973 والذي اعتبر اليوم العالمي للغة العربية يحتفي به عشاقها في كل مكان والذي ويا للأسف يقل عددهم بمرور الزمن تحت وطأة ثقافة التغريب والانسلاخ الممنهج من الهوية والقومية العربية، فاللغة العربية هي الحصن الأخير للهوية والثقافة والأصالة والتاريخ العريق للمنطقة حتى أن الشاعر حافظ إبراهيم كان يشكو منذ قرن من الزمان إهمال اللغة العربية من أبنائها في ظل هيمنة الاستعمار وثقافتهم الدخيلة على الأمة العربية فكتب يقول:
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات!
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي!
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم وإن عز الدواء أساتي
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
والحقيقة أن المستعمرين إذا أرادوا إحكام قبضتهم على مكان ما استهدفوا هوية من يستعمرونهم ويضربون قواعدهم المعرفية والثقافية، وفى العصر الحالي يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لتنفيذ هذه الحرب الممنهجة والمعروفة بحروب الجيل الرابع والخامس بهدف البرمجة وتزييف الوعى والتنكر للقيم الأصيلة لكى يسهل بعدها توجيه القطيع بالانسلاخ رويدا رويدا من جلده تمهيدا لاقتلاع الجذور وغرسها في أرض أخرى لن تثمر إلا الفتن والفوضى والخراب والدمار.
لذلك نشدد على أن التمسك بلغتنا العربية فرض ديني وواجب اجتماعي ومعركة بقاء وهى مسؤولية مشتركة بين الحكومات والشعوب، فلغتنا العظيمة لا تحتاج ليوم كي نحتفل بها ولكن تحتاج لشعوب تعرف قدرها وقيمتها وعراقتها.
أناشد كل مؤسسات الدولة وخاصة التعليمية والثقافية والإعلامية بكافة فروعها الاهتمام باللغة العربية من خلال مسابقات حفظ القرآن الكريم وكتابة القصص والروايات والشعر وتخصيص برامج للغة العربية تظهر جمالها من بلاغة ونحو وصرف وتسلط الضوء على عظماء الشعر والأدب العربي في كل زمان ومكان وإنتاج أفلام تسجيلية قصيرة عنهم، فما أحوجنا في هذا الوقت لمن يبعث فينا الروح القومية حتى يوفقنا الله ويسدد خطانا لما يستوجب رحمته ومغفرته ورضوانه.. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.