لنوقف هذه المنشورات …بقلم: غنيمة حبيب
أفقدت وسائل الاتصال الاجتماعي الإعلام التقليدي الكثير من ادواره المعرفية وشعبيته، وفرضت نفسها بقوة على الساحة الإعلامية نظرا إلى تمتعها بسقف حرية مرتفع، واتاحتها الفرصة لكل أفراد المجتمع بالمشاركة في صياغة المادة الإعلامية ونشرها، ورغم الإيجابيات الكثيرة لهذه الوسائل، إلا أن الأمر لا يخلو من السلبيات الواضحة التي نشهدها في بعض الأحيان، فلم يعد التخصص وحده أو المعرفة العلمية، يمنحان الحق بإبداء الرأي المتخصص، فبدأ التعدي على التخصصات واضحا وجليا، واخذ يغزو المجتمعات بعض من نوافذ الثقافة المغلوطة والمضللة، وأصبح الفرد يبدي رأيه بأدق التخصصات من دون علم ومعرفة، وبات الارتجال في طرح الآراء عند معظم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي سمة لا يمكن إنكارها، فكان اختلاط الغث بالسمين نتيجة حتمية، وخطرا يهدد ثقافة المجتمع وينذر بالانفلات الإعلامي الوشيك.
ولأن بعض المواضيع الاجتماعية تستحوذ على اهتمام الكثير من أفراد المجتمع من الشرائح والفئات المختلفة، وتفسح في المجال واسعا أمام محبي التنظير الباحثين عن فرصة للظهور من خلال محاولات لطرح الآراء والمشاركة، لاسيما إذا اتسمت بعض المواضيع باتفاق المجتمع حول إيجابياتها أو سلبياتها.
وانطلاقا من تخصصي كاستشاري في علاج الإدمان، وخبرتي العلمية في مجال علاج المدمنين، وهو علم وتخصص دقيق لا مجال فيه للتأويل والتنظير والارتجال في طرح الآراء والتوقعات واستخلاص النتائج جزافا، فقد هالني وأزعجني في وسائل التواصل الاجتماعي ما أراه من البعض على اختلاف مستوياتهم العلمية من آراء وتحليلات لا أساس لها من الصحة.
ولعل ما يزيد سخطي أن البعض بات يدعي أنه خبير في إعداد البرامج العلاجية، ولديه القدرة على تقديم الاستشارات للمدمنين وآهاليهم لمجرد أنه قرأ بعض المعلومات على صفحات الإنترنت، أو تزود ببعض النشرات، فتساءلت بنفسي كيف وصل البعض لهذا النوع من التكسب والاتجار بمشاعر الناس، هل يستحق مبلغ من المال أن نخدع أنفسنا ونستغل فئة من أبناء المجتمع هم أكثر حاجة لدعمنا وتضامننا ووقفتنا معهم؟
إن المدمن وفق جمعيات طبية عالمية والكثير من الدراسات التخصصية الدقيقة وإجماع الكثير من دول العالم المتقدم هو مريض بحاجة للعلاج، فلنتوقف عن استغلاله وتجريمه والتهكم عليه من دون أن نعرف ماهية الإدمان.
ربما لا يمكننا أن نجرم البعض لمجرد إبداء رأي غير مسؤول أو تحليل اعتباطي لا يدعم بالمعرفة، لذلك أنا لا أخاطب هنا سوى الضمائر والحس الإنساني لجميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وأطالبهم بتوخي الحذر، فكلمة في غير مكانها أو منشور عبثي، أو «فيديو» اعده إنسان لا يتمتع بالمسؤولية قد يودي بحياة مدمن متعاف أسأت إليه من دون معرفة او قصد.
وأنا بحكم تخصصي في علاج الإدمان أرى ان بعض المشاركات في هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل عقبة في رحلة الكثير من المدمنين نحو التعافي، وبات بعض المدمنين الذين اعلاجهم تظهر عليهم علامات الاستياء والتراجع والخيبة والشعور بالاضطهاد غير المبرر، وتشكلت فجوة واضحة بينهم وبين ذويهم باتت تهدد تماسك بعض الأسر، فمنهم من تعرض للطرد، ومنهم من أوشك على الطلاق وغير ذلك الكثير.
إن ضمير الإنسان قادر على التمييز بين الحرية الحميدة والفوضى المؤذية، وأنا أناشد جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الابتعاد عن هذه الأفعال والمشاركات، فحياة المدمن ليست مجالا مناسبا للسخرية والتهكم والتسلية، إنما هو فرد من أفراد مجتمعكم يحتاج إلى يد تمتد لتعينه وتساعده على التعافي، فكونوا معه لا عليه.
كاتب كويتية