من الادب الفرنسي { دموع الشمعة } قصة بوليسية من المجموعة القصصية ” تحقيقات ميجري الجديدة” … بقلم شرين عبد الحليم حافظ
من الادب الفرنسي { دموع الشمعة } قصة بوليسية من المجموعة القصصية " تحقيقات ميجري الجديدة" ... بقلم شرين عبد الحليم حافظ
من الادب الفرنسي
{ دموع الشمعة }
قصة بوليسية من المجموعة القصصية ” تحقيقات ميجري الجديدة”
للكاتب البلجيكي ” جورج سيمنون”
صاغتها للعربية: شيرين عبد الحليم حافظ
في فصل الخريف ، وقعت جريمة بشعة في قرية صغيرة مفقودة وسط غابة أورليانز (بمقاطعة لوار ، في فرنسا) ، حيث ما زال قاطني هذه البلدة يحيون حياة بدائية على الشموع للاضاءة بالرغم من قرب قريتهم من العاصمة باريس.
في هذه القرية الريفية، تعرضت الأختان المسنتان (بوترو) لاعتداء وحشي اودى بحياة الاخت الصغرى (مارغريت) -62 عاما- و اصابة الكبرى (إيميلي) -65 عاما- بإحدى عشرة طعنة كلها سطحية جعلتها تفقد الكثير من الدماء و تطلق صافرة الاستغاثة.
حضرت الشرطة. و عثرت على (مارغريت) مقتولة بثلاث طعنات سكين اخترقن صدرها، ومُزق خدها الأيمن ، وعين نصف مفقوءة ، و كأن القاتل اراد ليس فقط ان يقتلها ولكن ان ينفث حقده و كراهيته تجاهها. بينما كانت اختها (إميلي) على مقربة منها، مصابة بالدوار ، وتسبح في بركة من دمائها . فتم البحث عن مضمد ليداوي جراحها البسيطة .
من تحقيقات الشرطة المبدئية في مسرح الجريمة، بدت السرقة هي الدافع وراء الجريمة. فالاختان كانتا تعيشان بمفردهما في المنزل الذي تركه لهما آبواهما حيث اقامتا طيلة حياتهما، و تملكان مدخرات من ايراد ثلاثة منازل أخرى في القرية. و بالرغم من ذلك، كانتا تتمتعان بسمعة قوية في الجشع والبخل . .
كانت الضحية (مارجريت) لديها ابن يُدعى (مارسيل بوترو)، يبلغ من العمر 39 عامًا. هذا الابن هو وحشٌ مُدمنٌ على الكحول. إنه شخص مجنون يعمل كحطاب ويعيش في مزرعة مُحطَمة بالقرب من بحيرة (لوب بوندي). يقضي أسابيع بعيدًا عن المنزل ، دون طمئنة زوجته وأطفاله الخمسة الذين ، في الغالب، يشبعهم ضربا بدلا من اشباع جوعهم!
في ليلة الحادث المشئوم ، تناول (مارسيل) الطعام مع والدته وخالته في المنزل ، فترك الكثير من بصماته. ما دفع الشرطة للإشتباه به و بسائق العربة اليوغسلافي و يُدعى (ياركو) الذي قام بايصاله. فأمر مكتب النائب العام في أورليانز باعتقال الابن (مارسيل).
أما (إميلي)، وبعد مرور خمسة أيام من الاعتداء عليها ، فما زالت لم تنطق بكلمة واحدة. اعتنت بها جارتها (ماري لاكور) زوجة الحداد، وهي سيدةعمرها تجاوز الثلاثين بقليل. و سهرت عليها في المنزل. لكن بالرغم من عدم حركتها وضماداتها ، فإنها كانت تلاحظ كل ما يدور حولها ، بدون ان تنبث بأي كلمة!
تم إرسال الملف بالكامل إلى المفوض (ميجري): الخطة التفصيلية للأماكن والصور ومحاضر الاستجوابات.
إن المفتش ( جيل ميجري) هو مفتش شجاع، حاد الذكاء، قوي الشخصية، يحل ألغاز الجرائم الاكثر غموضا و ابهاما. هو شخص ضخم، هاديء، يؤمن بالغريزة اكثر من الذكاء، و بالبصمات ، و بغيرها من تلك الاشياء التي يعتمد عليها رجال الشرطة في تحقيقاتهم.
بعد الاطلاع على ملف القضية، استقل المفتش القطار متجهاً شمالاً إلى بلدة (Vitry-aux-Loges)، ومنها تم نقله في سيارة إلى الأخوات (بوترو).
كان على المفوض أن يشعر بالجو الذي حدثت فيه تلك الأعمال الدامية؛ ذهب لرؤية (مارسيل) في زنزانته. فهل اقتنع فعلا ان الابن هو القاتل ام كان له رأي اخر ؟؟
بالطبع لم يقتنع المفتش ذو البصيرة النافذة بإدانة (مارسيل) ، ولا حتى اليوغوسلافي ، بالرغم من الادلة العديدة التي تدينهما. ولكن… اذا لم يكن القاتل هو ابن الضحية، فمن يكون يا تُرى؟
و لمعرفة القاتل الحقيقي ، انصب اهتمام (ميجري) اكثر على موقع الجريمة؛ فأخذ يعاين منزل الشقيقتين (بوترو) وشكل الغرف وكيفية تنفيذ جريمة القتل .
و في منزل الاختين (بوترو) و اثناء معاينته لحجرة صغيرة تضيئها بالكاد نافذة مرتفعة في السقف ، وجد دموع شموع على براميل ، كانت حددتها الادلة الجنائية على أنها قادمة من شمعة الغرفة الرئيسية. استنتج المحققون سابقاً أن الشمعة استخدمها (مارسيل) عندما ذهب لاحضار الشراب .
لكن المحقق (ميجري) لم يستسلم لهذه الفرضية. فاستخدم المنشار في قطع براميل الشراب الفارغة و..
صدق حدسه ! لم تكن البراميل فارغة! فقد عثر فيهم على كل مدخرات الاختين (بورتو)! اذاً السرقة ليست الدافع للجريمة كما اقرت تحقيقات الشرطة! كيف و المدخرات كلها كما هي داخل البراميل! و ان كان الابن هو من دخل الغرفة لاحضار الشراب حيث وُجدت دموع الشموع، فكان من الأحرى ان يكتشف الاموال و يأخذها! فما الدافع اذا؟
بدأت خيوط القصة تتكشف امام المفتش الفطين. و توصل بذهنه الحاذق لمُرتكب الجريمة.
إن الضحية (مارغريت) كان لديها طفل. فعرفت الحب بينما أختها الكبرى لم تُحظى حتى بهذه السعادة. فكانت جدران منزلهما مُشبعة بالجشع وايضا بالكراهية. كراهية تزداد حدتها على مر الاعوام الطويلة التي قضتاها سويا خلال تعايشهما المشترك و الامسيات التي قضتاها في نفس الفراش و المصالح المشتركة. كراهية تؤججها آلاف الاحداث من الحياة اليومية.
خلال خمسة عشر أو عشرين عامًا ، عاش (مارسيل) بين هاتين الامرأتين قبل الاستقلال بحياته بعيدا. (اميلي) خافت من هذا ؛ ان تتركه امه (مارغريت) يحصل على اموالهما و املاكهما. فقالت بشرودٍ هامسة:
– يوما ما، سيأتي ليذبحنا …
ان (ميجري) ليس متأكدًا من أن هذه العبارة نطقتها حقا (أميلي) ، لكنه من خلالها يستطيع الحكم!
فمن شدة الضغينة و الحقد ، قتلت الاخت الكبرى اختها الصُغرى و اخفت المال لجعلها تبدو كسرقة و يتم اتهام الأبن (مارسيل) بها. ثم مغلفة يديها بقماش رقيق من الشيفون هاجمت نفسها بطيش و القت بالسكين في المدفأة لحرقها. وهذا يفسر جروحها السطحية.
امام البرميل المنشور ، ألتزمت (أميلي بوترو) الصمت. اجلستها جارتها (ماري لاكور) على الفراش المتهالك الذي تُصدر مفاصله صريراً. طلب المحقق (ميجري) احضار عمدة القرية ليكون بمثابة شاهدا على الجريمة.