ثقافة و فن

ولكن للعمر بقية … بقلم د. يونان وليم

بينما أدخن السيجارة العاشرة وارتشف فنجان القهوة التركية وأنا أكتب رسالة رد على إيميل الشركة الإنجليزية فى مكتبي منذ الصباح الباكر حتى الآن
وإذا بألم مزعج للغاية بدأ فى معدتي يزداد ببطئ فى دقائق معدودة حتى تعدى المعدة وشمل الصدر كله مع إننى لم أكثر فى التدخين اليوم ؛ فعادتي كل يوم أن أدخن علبتين أو يزيد ؛ لأكثر من عشرين عاما وأنا على هذا المنوال ، فمددت يدي إلى جيب قميصي وأخذت حبة “زنتاك” عسى أن تخفف هذا”الشعور السيء ” الذى أشعر به ،
مرت دقائق بثقل ليالي الشتاء كأنها ساعات فى ليل طويل ، حتى شعرت بدوار وكأننى تركت الأرض ورحت أسبح فى مدارها حول الشمس وصار العرق يتصبب على جبيني كقطرات ندى العشب باكرا
وضاق صدرى فرحت أجمع من هواء الغرفة أكسجينا من كل زاوية فيها املاء به رئتي كى أقوى على التنفس ؛ لكن دون جدوى ، لا الهواء كاف ولا الألم يتوقف..
صرخت من ألم من قبل لم أشعر به قط جائني زملائي فى العمل مسرعين يستفسرون عن سبب هذا الصراخ المفزع ، فأشرت لهم بكفي وهو موضوعا على صدري دون أن أتكلم وعرقى يتصبب ، وأنفاسى وضربات قلبي فى سباق كخيل يتبارى مسرعا لخط النهاية…
النهاية….الموت!!!!؟؟
يا إلهى هل هو ذاك الشبح البعيد ..الذى فى صمت منى يقترب ؟
زاد خوفي وبدأ بكائى بل نواحي ، ورأيت حياتى أمامى كشريط سينيمائى تمسك به يدين من البدية حتى اللحظات الاخيرة.
أسرع الزملاء فى حملي بسرعة البرق متجهين نحو مستوصف قريب من العمل ، وعند وصولنا أشار أحد الزملاء لعامل المركز ليأتى بكرسي متحرك لنقلي ، فانطلق العامل بسرعة شديدة بي نحو الطبيب ووقف بنا أمام العيادة طارقا الباب ، فاشار له الطبيب بسرعة الدخول ، عندها فجأة تدخل شاب ضخم يشبه الشخصية الكرتونية ” العملاق الأخضر ” بالكلام مشيرا بأن هذا ليس دورنا بل دوره فهو في الانتظار خارجا يطلب توقيع طبية وفحصا سريعا حتى جاء دوره فهذا حقه ، وفي ضخامة هذا الشاب تعامد ظله على وجهي كتعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى فى معبد أبو سمبل وساعتها أحسست بأن الموت يحيط بى من كل جانب ، لكن جاء الطبيب نحوى مسرعا طالبا منه الإنتظار قليلا (مخاطرا بحياته ) حتى يشخص حالتي ، لكن على مضض وبتململ خرج الشاب من العيادة متذمرا مما يحدث ، وهو يشكو كيف أن الطبيب قد سمح ايضا من دقائق بالدخول لحالتين من كبار السن ولحالة إعاقة بحجة أن لهم الأولوية فى الكشف والدخول بدون رقم أيضا…!
لم يكترث الطبيب لكلامه وأبى أن يجادله فى الأمر وجاء نحوي مسرعا
ووضع سماعته على صدرى ونظر
إلي فى قلق طالبا منى أن أصف هذا الألم وعما إذا كان هناك ضيق فى التنفس أم لا ؟
ثم أشار للعامل بسرعة نقلى إلى غرفة الحالات الطارئة لعمل تخطيط للقلب وأخذ الأكسجين ، أسرعنا وأسرع الطبيب معنا نحو الطوارئ وهو يصرخ بوجه التمريض .. أكسجين بسرعة..تخطيط …نسبة أكسجين بالدم…سكر عشوائي …حقنة مسكنة للألم…..الاتصال بالإسعاف بسرعة..
وفى وسط هذا التوتر والقلق نظر الطبيب إلى تخطيط القلب ولم يتفوه بكلمة واحدة فسألته وأنا تحت كمام الأكسجين “طمنى يا دكتور”
رد بصوت دافئ ” إطمئن إن شاء الله خير”
وبعد دقائق جاء رجال الإسعاف وتحدثوا مع الطبيب فأخذهم بعيدا عنى على انفراد بصوت منخفض لم أفهم منه شيئا سوى جملتين “we have no time to loose””please hurry
up”
فأخذنى رجال الإسعاف على سرير مجهز إلى سيارتهم وفى دقائق وصلنا إلى المستشفى ومنها إلى قسم عناية القلب وهناك لم أشعر بذاتي وأحسست كأنى فى حلم فأغمضت عينيا لأستيقظ على صوت جهاز يصدر أصوات تمثل ضربات قلبي وأسلاك كثيرة حول صدري تتصل بهذا الجهاز ومحاليل في أوردتى .. والطبيب يبتسم فى وجهي “الحمدلله على السلامة”
كويس إنك ماتاخرت وإلا كانت عضلة القلب تدمرت…
وانا الآن بعد أكثر من شهر على تلك الحادثة أحتسي فنجان قهوتى لكن دون سيجارة بالطبع أتأمل فيما حدث لى متسائلا
1_لماذا كنت أدخن كل هذا العمر ؟
2_ماذا لو لم ينقلنى زملائى بسرعة؟
3_ماذا لو تباطأ الطبيب فى تشخيصي وتحويلي؟
4_ماذا لو أصر هذا الشاب على الدخول قبلى فى العيادة؟
5_ ماذا لو جن جنون هذا ” العملاق الأخضر ” وحطم كل شيء؟
6_ماذا لو تباطأ رجال الاسعاف فى نقلي؟
7_ماذا لو قال لى الطبيب الحقيقة عندما سألته عن التخطيط؟
ولكن السؤال الأهم……………
ماذا لو لم يكن فى العمر بقية؟
الحمدلله لا يزل فى العمر بقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى