ملاحم بطولية ضد الاحتلال شارك في رسم معانيها اخوة وافدون عاشوا على أرض الكويت
مع حلول الذكرى ال26 لتحرير دولة الكويت من الغزو العراقي الغاشم تعود إلى الاذهان صور الملاحم البطولية التي جسدها الكويتيون في صمودهم أمام الاحتلال والتي شاركهم في رسم معانيها رغم قساوة التجربة اخوة لهم من الوافدين الذين عاشوا على هذه الارض وارتووا من أصالتها تعبيرا عن الوفاء لترابها.
وتجلى أثناء فترة الاحتلال اصالة المعدن للكثيرين من الوافدين المقيمين في البلاد الذين سطروا أجمل معاني الوفاء للكويت وشعبها اثناء المحنة وكانت لهم مساهمات كثيرة إلى جانب اخوانهم الكويتيين كان أبسطها الصمود في وجه المحتلين وصولا إلى بذل النفس والاستشهاد دفاعا عنها تأكيدا على انتمائهم وولائهم لهذه الأرض.
وفي هذا الصدد التقت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت عددا من الوافدين ممن قرروا البقاء في البلاد أثناء الاحتلال العراقي لدولة الكويت عام 1990 ليسردوا تجاربهم خلال هذه الفترة حتى تحرير البلاد من براثن الغزو عام 1991.
وأجمع هؤلاء على أن احتضان الكويت وشعبها بكل صدر رحب لهم ولأسرهم وتمتعهم بخيرات هذا البلد الطيب وتحقيقهم النجاحات فيه دفعهم إلى التمسك بالبقاء فيها والوفاء لها لاسيما أن بعضهم ولد وترعرع على أرضها بين اخوانهم الكويتيين في حين شهد البعض الاخر ولادة ابنائه ونشأتهم فيها.
وقالت المقيمة سحر محمود عيسى وهي أردنية من أصل فلسطيني وشقيقة الشهيد أشرف الذي أعدم على يد قوات الاحتلال العراقي إنها بقيت وزوجها وعائلتها في الكويت ورفضت الخروج منها طوال فترة الاحتلال رغم خطورة الأوضاع وقتها وصمدت أمام ظلم وبطش القوات العراقية لانها ارادت رد بعض جميل الكويت لها.
وأضافت أنها من مواليد الكويت إذ إن والدها قدم إليها عام 1960 للعمل “ولدي احساس بالانتماء للكويت حيث ذكريات طفولتي ودراستي وعملي وزواجي أيضا” مشيرة الى انه رغم المخاطر التي تعرضت لها وعائلتها وانعدام الامن والامان وشح المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء والماء فقد قرروا الصمود حتى تحرير الكويت.
وأوضحت سحر التي كانت تعمل قبل فترة الاحتلال في مستشفى مبارك بوظيفة مساعدة إدارية أنها استمرت في عملها طوال أيام الاحتلال بتعليمات من مدير المستشفى حينها مؤكدة ان حبها للكويت التي احتضنتها وعائلتها كان الدافع الرئيسي للعمل ابان هذه الفترة الى جانب ما املاه عليها واجبها الإنساني.
وذكرت أن تفكيرها طوال فترة عملها في المستشفى كان منصبا على مساعدة الكويتيين والوافدين الذين كانوا يعانون بطش الجيش العراقي.
وعن ظروف استشهاد شقيقها أشرف محمود عيسى أفادت سحر بأن الشهيد كان ضمن خلية للمقاومة تترأسها الشهيدة وفاء العامر التي قامت بتفجير فندق هيلتون الكويت إبان فترة الاحتلال حيث كان يقيم فيه كبار ضباط الجيش العراقي.
وبينت أن الشهيد اشرف كان يعمل في الفندق قبل الغزو حيث خطط والشهيدة وفاء العامر وآخرون على القيام بتفجيرين داخل الفندق عن طريق عبوتين تسلمهما من قبل الشهيدة وفاء وزرعهما داخل الفندق ما أدى إلى قتل عدد من كبار قادة الجيش العراقي لكن بعد الانفجار الثاني ألقت الاستخبارت العراقية القبض عليه وأعدمته بطريقة وحشية.
من جهته قال المقيم الأردني موسى شحادة الذي أقام وزوجته وأولاده الخمسة في الكويت قبل الاحتلال واستمرت اقامتهم فيها بعد التحرير إنه رفض الخروج من البلاد أيام الاحتلال “لانني لا يمكن لي أن اترك البلد التي عشقت ترابها ورزقت باولادي الخمسة فيها وكنا ننعم بالحب وحسن التعامل من شعبها.. فالكويت استوعبتنا والحقتنا بالعمل في وزاراتها وتعلم اولادي في مدارسها”.
وأوضح شحادة أنه صمد في الكويت طيلة فترة الاحتلال العراقي الغاشم وعايش الواقع المرير الذي عاناه أهل البلاد وما تعرضوا له من قتل وتعذيب وتخريب للمنشآت وحرق للآبار مشيرا إلى رفضه مغادرة الكويت رغم إلحاح الكثيرين من أقاربه ممن غادروها.
وذكر أنه كان يعمل في وزارة الكهرباء والماء وتحديدا في محطة الدوحة للكهرباء وتقطير المياه حيث استمر في العمل طوال فترة الاحتلال بدافع الإحساس بالمسؤولية وخوفا من توقف العمل في المحطة وذلك لخدمة شعب الكويت الذين عاش بينهم ولم يجد منهم الا الخصال الكريمة والتعامل الراقي.
وأضاف أنه أصر على مواصلة العمل حتى بدأت الضربات الجوية من قبل قوات التحالف الدولي لتحرير دولة الكويت في 17 يناير 1991 وعندها تولد لديه شعور وإحساس بأن الفرج قريب وأن التحرير قادم لا محالة لهذا البلد المعطاء.
بدوره قال المقيم المصري عبدالمنعم السيسي ويعمل حاليا بوزارة الإعلام الكويتية انه ظل صامدا إبان فترة الاحتلال بدافع حبه للكويت ولرد جزء من الجميل الذي قدمته الكويت له ولعائلته طوال فترة اقامته فيها.
وذكر انه كان يعمل بوظيفة مراسل لجريدة (الوفد) المصرية في الكويت عند وقوع الغزو العراقي مشيرا إلى رفضه الخروج من الكويت اثناء الاحتلال أو التخلي عن واجبه المهني فقام بكتابة تقارير صحافية وتصوير بعض مظاهر البطش والجرائم التي قام بها الجيش العراقي حينها.
وأوضح أن إصراره على البقاء في الكويت ابان الاحتلال وعدم مغادرتها جاء بهدف استمراره في عمله الصحافي لفضح ممارسات الجيش العراقي والجرائم التي يرتكبها بحق المواطنين والمقيمين وذلك على الرغم من خطورة الأوضاع السائدة والتنكيل الذي تقوم به قوات الاحتلال العراقي تجاه كل إعلامي أو أي شخص يريد توثيق أو التقاط صور لبشاعة هذه الممارسات والجرائم.
وبين أنه كان مصرا على فضح ممارسات القوات العراقية فلجأ إلى حيلة لتهريب التحقيقات والتقارير الصحفية والصور وشرائط الفيديو التي قام بتصويرها ايام الاحتلال وتسليمها لجريدة (الوفد) المصرية حيث نشرت الجريدة هذه التحقيقات المصورة في شهر اغسطس عام 1990.
وأشار إلى أن الأوضاع الأمنية قرب مسكنه كانت غاية في الخطورة حيث كانت أصوات تبادل إطلاق النار تصل إلى مسامعه إلى جانب ما كان يشاهده من انتشار للقوات العراقية في شوارع الكويت مضيفا “كلما هممت بالخروج من بيتي انظر الى فراشي نظرة وداع وانطق بالشهادة”.
وتابع “كنت أتجول في شوارع الكويت وأنتهز فرصة وجود أي مشاهد وأقوم بتصويرها وتعرضت للقتل عدة مرات عندما وقفت لالتقاط صورة الطابور عند مخبز اليرموك لشراء الخبز وكان الجيش العراقي يراقب ويتابع المخبز لكن عناية الله أنقذتني”.
واضاف انه قد وقعت عمليات تفجير نفذتها خلايا للمقاومة الكويتية الباسلة على طريق الدائري السادس “وكنت وقتها موجودا قربها فقمت بتصويرها وبعدها شاهدت قوات عراقية مدججة بالسلاح تتجه نحوي وكانت تنوي إلقاء القبض علي لأن التصوير كان ممنوعا فاضطررت إلى الاختباء داخل حاويات كبيرة للمهملات لئلا يراني العراقيون”.
ويسجل هذا الامتزاج واللحمة على التراب الكويتي صورة أخرى من صور المصير العربي الواحد أمام المخاطر والتحديات والتعبير الصادق لقدرة الإنسان على عبور التهديد والخوف إذا ما كان متسلحا باليقين والمسؤولية ورفض القهر.