من الادب الفرنسي قصة: العُقْد (الحُلية) للكاتب الفرنسي جي دو موباسان… ترجمتها ولخصتها للعربية: شيرين عبد الحليم حافظ
من الادب الفرنسي
قصة: العُقْد (الحُلية)
للكاتب الفرنسي: جي دو موباسان
ترجمتها ولخصتها للعربية: شيرين عبد الحليم حافظ
(ماتيلد لوازيل) كانت فتاة رائعة الجمال وفاتنة. ولكن قدرها انها ولدت في عائلة فقيرة. فرضيت بأن تتزوج من موظف بسيط في وزارة التعليم.
عاشت حياة متواضعة في بيت متواضع فقير لم يرضى طموحها واحلامها الكبيرة فكانت ساخطة على معيشتها ومُحبطة من احلامها الضائعة. حتى انها كان لديها صديقة ثرية تُدعى السيدة (فورستيه)، كانت(ماتيلد) تكره ان تزورها من فرط ما كانت تعاني من الكآبة والمرارة بعد زيارتها.
ذات مساء، عاد زوجها الاستاذ (لوازيل) بمغلف يحمل بطاقة دعوة لحفل ساهر تقيمه وزارة التعليم لكبار موظفيها. وقدم المغلف لزوجته التي قرأته بامتعاض ولم تفرح كما كان يتوقع، فسألها عن سبب تعاستها فشكت له انها لا تستطيع الذهاب الي هذا الحفل الراقي وليس لديها ثياب مناسبة او مجوهرات تضعها! وبعد ان رآها تبكي حزينة على فقر حالها، رق قلبه وقرر اعطائها مبلغا من المال كان يدخره لنفسه لشراء بندقية صيد، مضحياً برغباته في سبيل اسعادها.
اشترت الثوب ولكنها بقيت حزينة ومهمومة. فلم يكن لديها جوهرة او حُلية تضعها. فأقترح عليها زوجها زيارة صديقتها المقربة والثرية السيدة (فورستيه) لاستعارة بعض الحُلي منها.
اعُجبت (ماتيلد) بفكرة زوجها ونفذتها، فذهبت الي صديقتها الثرية وطلبت منها اعارتها بعض الحُليّ. لم تتردد صديقتها الكريمة وفتحت لها خزانتها المليئة بالمجوهرات النفيسة لكي تختار منها ما تشاء.
وقع نظر (ماتيلد) على عُقْد ثمين في علبته السوداء الفخمة وقررت استعارته هو فقط ولا شيء غيره. فوافقت صديقتها بكل سرور مما اسعد (ماتيلد) كثيرا وهمت بالرحيل مسرعةً بهذا الكنز.
جاء يوم الحفل، وحققت السيدة (لوازيل) نجاحاً منقطع النظير؛ حيث كانت الاجمل بين الجميع وخطفت الانظار حتى انها لفتت انتباه الوزير. استمتعت بوقتها في الحفل وكانت منتشية من السعادة من كلمات الاطراء والمدح على جمالها ودلالها.
حان وقت الانصراف من الحفل، فخرجت هي وزوجها مسرعين الي الشارع في البرد القارس لكي يبحثا عن عربة توصلهما الي منزلهما. وبعد معاناة وطول انتظار في الطقس القاسي، وجدا عربة فقيرة اوصلتهما الي منزلهما. كانا حزينين لانتهاء هذه الامسية الحالمة. بدأ زوجها في خلع ملابسه حيث انه يريد النوم للاستيقاظ صباحا والذهاب الى عمله الوزاريّ. اما هي فجلست امام المرآة مطالعةجمالها، للمرة الاخيرة، وهي في كامل زينتها، ولكن فجأة….
انتبهت ان عُقد صديقتها لم يعد موجودا حول رقبتها، لقد اضاعت العُقد!!!!
وبعد وضع عدة احتمالات عن مكان ضياع العُقْد (ضاع في الحفل؟ لا، فقد تحسسته في بهو الفندق. وقع على الارض في الشارع بعد خروجهم من الحفل؟ لا والا كانا قد سمعا وقع سقوطه على الأرض. سقط في العربة التي اوصلتهم الى منزلهم؟ للأسف لم يأخذا رقمها)، قرر زوجها الذهاب سيراً على الاقدام من نفس طريق عودتهما لمنزلهما لكي يقتفي أثر العقد، بينما بقيت هي في المنزل تنتظر مصدومة مهمومة! لكنه عاد الي المنزل شاحبا متعبا دون ان يجد للعُقْد أي أثر!
وبعد البحث المضنى وتقديم بلاغات في قسم الشرطة وسؤال شركات العربات وحتى عمل اعلان مكافآت لمن يعثر على العُقْد، كل هذه الجهود لم تسفر عن أي نتائج مُرضية في صالحهما. فقرر الزوج السيد (لوازيل) ان الحل الوحيد امامهما هو استبدال هذا العُقْد بواحدٍ اخر!!
ذهبا الى الكثير من بائعي المجوهرات لكي يجدا نفس هذا العقد، وبعد بحثٍ عسير عثرا اخيرا على ضالتهما: عُقْدا يشبه تماماً عُقْد السيدة (فورستيه)، بلغ ثمنه ستة وثلاثين ألف فرانك!!
قررا شرائه وارجاعه الي صديقتها السيدة (فورستيه) التي لم تلاحظ الفرق. لكنهما كانا فقيران لا يمتلكان المال اللازم لشراء مثل هذه الجوهرة الثمينة؛ لذلك قام الزوج بدفع كل ميراثه من والده واقترض واستدان باقي المبلغ. فتغيرت حياتهما البائسةالي حياة اشد بئساً وفقراً. فتركا شقتهما المتواضعة واستأجرا غرفة في السقيفة.
لتسديد هذا الديّن الثقيل، عمل الزوج في وظيفتين نهارا وليلا، بينما هي، وبعد ان استغنت عن خادمتها، قامت بنفسها بكل الاعمال المنزلية من تنظيف وغسل الملابس وشراء احتياجات المنزل من السوق. كانت تساوم البائعين وتتعرض للإهانات لأنها تدافع عن كل فلس من مالها القليل.
وبعد عشر سنوات من الكفاح المرير، سددا كل شيء! تغيرت (ماتيلد) من فتاة جميلة رقيقة الى امرأة عجوز قوية وقاسية تلبس ملابس الفقراء وتصيح بصوت عالٍ. ففي هذه السنوات القاسية، عانت من شظف العيش وعرفت المعنى الحقيقيّ للشقاء والحرمان والعمل المضنى الذي أفقدها جمالها ورقتها.
وفي صباح يوم أحدٍ مشمسٍ جميل، قررت الذهاب للتنزه في شارع (الشانزليزيه) الشهير بباريس، وبينما كانت تحاول الاسترخاء من اعباء الاسبوع، اذ انها لمحت صديقتها القديمة السيدة(فورستيه) التي مازالت شابة وانيقة ومبتهجة. فقررت (ماتيلد) الذهاب اليها ومصارحتها بكل ما حدث لها بسبب عُقْدها. فلم تتعرف عليها صديقتها السيدة (فورستيه) بل واندهشت كيف ان امرأة فقيرة مثل (ماتيلد) تعرفها وتتحدث معها بحميمية! مما أحزن (ماتيلد) كثيرا وقصت على صديقتها معاناتها بسبب العٌقْد الذي فقدته وقررت استبداله وشراء واحدٍ جديد مكانه، كم عانت هي وزوجها لتسديد ثمنه الباهظ وخاصة انهما فقراء لا يمتلكان المال.
هنا، صرخت صديقتها السيدة (فورستيه) مصدومة، متألمة، حزينة، اخذةً بيد صديقتها (ماتيلد) في عطفٍ شديد، قائلة:
–
” أوه! يا (ماتيلد) المسكينة! لكن عقدي كان مزيفا. كان لا يستحق أكثر من خمسمائة فرنك!”