أهم الأخباركتاب

سلامي إلى أخطبوط العود.. بقلم سلوى معروف

 

يتلمس أوتاره..بأنامل حنونة

ويضم خشبه..ضمّة كافل يتيم

يبدأ العزففالغناء..ثم لا تجده

تتساءل أين ذهب هذا الرجل!!

أين ممرات عبوره !! أين خطوط خياله !!

أين تقف أحلامه !

أين يسافر !

لمن يغني !

من يخاطب !

أين امتداداته !

ما تاريخه ؟ ما أسراره ؟

أهو حزينٌ ؟ أم سعيد ؟

أهو غاضب ؟ أم مسامح ؟ أم مُستسلم ؟ أم ضعيف ؟

ما هو ! ومن هو !

 

قطعاً ..لن تجد إجابات

 

فهو الكتاب الذي تعيد قراءته مراراً..وتتوهّم أنّك فهمته ..وما فهمت

وهو المحيط الذي تغوص في أعماقه..وتظنّ أنك وصلت قاعه..وما وصلت

وهو السماء التي تعدّ نجومها..وتتخيّل أنّك أحصيتها..وما أحصيت

وهو الصحراء التي تسير فيها..فترى أفقها ..ولا تدركها

وهو الصديق الذي تعشق صدقه..وتتيقن من قربه لك..

وما تلقاه

وهو الحبيب الذي تذوب عشقاً له..وواثقٌ من عشقه لك.. ولا يعلم أنّك موجود..

هو رجلٌ..لا يشبه الرجال

وملحّن..ما عرف مثله الزمان

ومطربّ ..حين يغني..يترنّح بين ألوان الجمال

يرقص بين واقع وخيال

يتنهّد بين أطياف الوجدان..من طرفها إلى طرفها

من أعظم تسامح الإنسان ..إلى أقصى حدود الغضب والثأر

ولكن ببصمات مُهجةٍ..مُهجة بَنان

صاحب أنامل رشيقة..

أنامل صادقت العود..منذ طراوتها

أنامل تناجي ذبذبات الوتر..وتغازلها

أنامل تتنهّد ذاكرة..وتدمع من توهّجها

أنامل تفتخر بألمها..تعزف حزنها..وتصرخ صمت روح ملّت صمتها

أنامل أرافق أهدابها ..منذ صباي

منذ أن بدأ العشق يتسرّب إلى حناياي

أنامل شغفتني رقتها..

خمس وعشرون سنة ما فارقت مساي

يُقال أن أنامله من ذهب..

وأنا أقول..

ما نفع الذهب يا سيدي..

فأناملك..

أنامل تفقّهت في خبايا الإنسان..تفقّهت في ذرّات الحزن وأنفاس الوجدان

أنامل تجول في الذاكرة ..تعبث بها..وتقلّبها صفحة تلو أخرى

تنكُش في حاضر الإنسان..فتشير بالبنان..إلى كل وجع وألم وحرمان

أنامل تعزف مرارة دون أسف..وترسم أحلاماً تجاور الخيال

أناملٌ لها حزنٌ دون غضب..وسعادة دون ابتهال

أناملك يا سيدي ..أنامل إنسان عرف الإنسان

يا سيدي..

ربع قرن ..أكثر من نصف عمري..وأنا أستمع إلى أنفاسك

يا سيدي ..كنتَ المعلم وكنتَ المربّي والتُرجمان

يا سيدي ..مررتَ على طفولتي وشاركتني ألعابها

يا سيدي .. قلّبت دفاتر ذكرياتي.. وقرأتَ تفاصيلها

يا سيدي .. لم تترك لي أفكاراً ولا أحزاناً ولا أحلاماً ولا أماني إلاّ وذكرتها

يا سيدي..علّمتني ما لم تعلّمني الأيام

يا سيدي ..علّمتني ما الزمان

يا سيدي..علّمتني أن الزمان يبكي من حرقة الزمان

يا سيدي..علّمتني أن الزمان يصرخ كالإنسان

يا سيدي..علّمتني كيف الدموع تبتسم لحلاوة الأشجان

يا سيدي..علّمتني أن الأحزان لها رائحة الفصول

أحزان دفءٍ..كلهيب آب

وأحزان بردٍ..كجليد كانون

يا سيدي ..علمتني أمُرّ على أحلامي كل يوم..ألقي عليها السّلام وأصبّرها

يا سيدي..علمتني أن في الحب ..ليس رجلٌ وإمرأة..بل قلبٌ يسامح وماضٍ يتوجع

يا سيدي ..علمتني أن الحبيب هو أول الجروح وآخرها

يا سيدي ..علمتني أن الذاكرة تبدأ بالحبيب وتنتهي به

يا سيدي..علمتني أن الجرح ينادي,يصرخ ,يبكي,ويسامح

يا سيدي..علمتني أن الانكسار ليس انهزاماً ..بل انتصاراً على الذات

يا سيدي..علمتني أن عشق الحبيب..يبدأ من فهم الذات

يا سيدي..علمتني أن مسامحة الحبيب..طهارة للذات

يا سيدي..علمتني أن الحرمان أجمل الحب..وأروع اكتفاء للذات

علمتني يا سيدي..أن الاشتياق للحبيب..هو اشتياقٌ للذات

علمتني يا سيدي.. أن الصبر درجات

وأعلاها إنكار الذات

يا سيدي ..علمتني أن العشق ليس شعراً..بل بحثاً في الذات

يا سيدي..علمتني أن الضعف ليس عيباً..بل هو أصل الذات

يا سيدي علمتني ما الذات

يا سيدي علمتني ذاتي

يا سيدي علمتني ذاتي

علمتني يا سيدي أن أشتكي جروحي لذاتي

فما عدت أميز بين ذاتي وجراحاتي

يا سيدي ..وأنا أسمعك تعبر فيّ ألوان المشاعر ورائحتها

يا سيدي..تغضب من الحبيب..فأثور وأجنّ

ومن ثم تسامحه..فأُسعد وأحنّ

يا سيدي ماذا تفعل بي ؟؟

من النقيض إلى النقيض بثوانٍ

يا سيدي..تخاطب أوتارك فترتفع آهاتك..فتكسرني

أشلاءً رذاذاً تبعثرني

ومن ثم تجمعني حنيناً..

وبعدها تائهاً تتركني..

يا سيدي ..ماذا تفعل بي !!!

كنت أسمعك ..فأجهش بالبكاء وأصرخ على ذاتي

وأقول أما آن لهذا القلب أن يتوقف !!

أما آن لهذا الحزن أن يضعف  !!

متى يا قلب تتوقف ؟ ومتى يا حزن تضعف ؟

يا سيدي ..وأنت تغنّي تسرد عليّ قصتي

تسرد عليّ مأساتي

يا سيدي كيف عرفت بمأساتي !!

يا سيدي..علمتني ذاتي ..بدقائق جروحها وحروقها

بفرحها وحزنها وغضبها..

بانكسارها وخوفها ووجعها..

يا سيدي كشفت لي ذاتي..

فخفت من ذاتي..وأُسعدت بها

وأصبحت أهرب من ذاتي إلى ذاتي..

 

يا سيدي .. إغفر لي

أحياناً أغضب منك فأصرخ

وأقول من أعطاك الحق لتدخل شراييني ؟؟؟

تجري مجرى الدم..تجرحني..وتُلحم جروحي بكيّ سكينِ

يا سيدي من أعطاك الحق أن تعريني ؟؟؟

تجردني من كل أقنعتي..وبصفاء الذات تلهيني

يا سيدي .. من أعطاك الحق لتتلصص على هواجسي..

تقرأها..وبلقاء الحبيب تغريني

يا سيدي من أعطاك الحق لتفرحني وتبكيني ؟؟؟

يا سيدي من علمك الغوص في شراييني؟؟

ابتسامتي تؤجلها..ودموعي تُهديني

يا سيدي لماذا تعبث بشراييني  ؟؟؟

من أعطاك الحق لتعبث بشراييني ؟؟؟

ألأنك أخطبوط ؟؟؟

تحيك خيوطك بزوايا شراييني..تهمس لعودك..تدندن على أوتارك..وبأعذار الفن ترضيني..

يا سيدي…الشرايين من خلايا..وبالمياه والغذاء..تحيا

ولكني أستسلم..وأعترف بأن لأناملك سحرٌ..عطشٌ للجمال..به ترويني..

 

 

فشكراً لأناملك سيدي..

شكراً لعودك..

وشكراً لأرضٍ..

أنجبت رجلاً مثلك..

 

سلوى معروف

3-2-2019

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى