أهم الأخبارعربي و دولي

نتائج القمة العربية: التكامل العربي في أدنى مستوياته منذ 55 عاما

انعقدت القمة العربية في دورتها الثلاثين في تونس نهاية شهر مارس المنصرم في ظروف استثنائية وغير مسبوقة. اذ واجهت هذه القمة أكبر تراجع في مؤشرات التكامل العربي المشترك منذ أكثر من 55 عاما على انعقاد أول قمة عربية عادية في القاهرة عام 1964. كما اصطدمت أعمال القمة بارتفاع مؤشرات سياسات الاستقطاب والمحاور واختلاف رؤى العمل العربي المشترك، عمّقه غياب نصف الحكام العرب تقريبا عن قمة تونس اختيارا أو اضطرارا. الى ذلك برز تأثير زيادة الهوة العمرية بين أجيال الحكام العرب على مدى الانسجام والتوافق حول سياسة إدارة الأزمات ومرحلة التغيير والمخاض التي يمر بها العالم العربي.

وقد خلصت دراسة أعدها مركز دراسات الخليج العربي الى تسجيل ارتفاع عدد الخلافات بين الدول العربية الى أكثر من 30 خلافا مباشر وغير مباشر. وتسهم هذه الخلافات القديمة والجديدة في تقليص حجم الثقة بين الأنظمة وارتفاع مؤشر الحذر، وهو ما أدى الى زيادة تراجع العمل على تحقيق تكامل عربي مشترك تحت مظلة الجامعة العربية أو تكامل جهوي على مستوى التكتلات المغاربية والخليجية.

 وارتفع عدد الخلافات البينية العربية بعد زيادة فتور العلاقات بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي على اثر الأزمة الخليجية، بالإضافة الى رصد حالة من البرود والحذر في العلاقات بين دول مغاربية مع استقرار التوتر المستتر بين الجزائر والمغرب، الى ذلك برز استمرار الخلاف العربي السوري، والخلاف اليمني-اليمني وأثره على توتير علاقات اليمن التي تحكمه حكومتان مع بعض الدول العربية، وأيضا الوضع نفسه تقريبا مع ميل للهدوء في ليبيا التي توجد بها حكومتان علاقاتهما متقاطعة مع بعض الدول العربية وغير منسجمة، الى ذلك برز الخلاف بين بعض الدول العربية مع السودان كالخلاف مع مصر، ولا يمكن نسيان الخلاف الكردي العراقي، وكذلك تحفظ بعض الدول العربية على إعادة العلاقات مع العراق غير المستقر سياسيا، مرورا بالخلاف اللبناني السوري، وصولا الى الخلاف بين الأنظمة على تقبل حركات الإسلام السياسي، والخلاف العربي على توصيف نشاط المقاومة، وخلاف بعض الأنظمة العربية مع حركة حماس وحزب الله، وخلاف الفصائل الفلسطينية، والاختلاف حول دعم مطالب القوميات والطوائف، والخلاف السني الشيعي المبطن، والخلاف على توصيف الإرهاب، والخلاف العربي-العربي حول صفقة القرن وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والخلاف العربي حول زعامة العالم العربي وإدارة بوصلة المواقف العربية في المجتمع الدولي. وتعتبر هذه القضايا الجزء الظاهر من الخلافات العربية -العربية التي بعضها يعتبر تركة لأكثر من ثلاثة عقود والبعض الآخر نتيجة السنوات الأخيرة وخصوصا عقب ثورات ما يوصف بـ “الربيع العربي” والأزمة الخليجية.

وتسجل العلاقات العربية في الفترة الأخيرة تعثرات وأزمات كثيرة لا تشبه بشكل كبير الخلافات التي مرت بها الدول العربية منذ انطلاق أعمال القمة العربية في مصر في 1964. فبقدر ما كانت أغلب الخلافات بين الأنظمة العربية تقتصر في قضايا حدودية أو قضايا مرتبطة بتقاسم الثروات أو التدخل في الشؤون الداخلية أو أخرى مرتبطة بالأيدولوجيا أو التعاطي مع الكيان الصهيوني، بقدر ما أصبحت اليوم تتركز على قضايا مرتبطة بالاختلاف الجوهري في السياسات الخارجية، والتعامل مع مطالب التحول الى الدولة الحديثة والانتقال الديمقراطي ومطالب الحريات، ناهيك عن التنافس على زعامة العالم العربي، وهذه المطالب أثارتها التغيرات التي صاحبت أحداث الانتفاضات الشعبية في بعض الدول ضمن احتجاجات “الربيع العربي”.

فصدمة الربيع العربي ما تزال تداعياتها تُحدث ببطء انشقاقات في أسس نظريات العمل العربي المشترك المنسجم في الرؤى نظريا بين الستينات والسبعينات. لكن اليوم تبدو درجة الانسجام في أدنى حالاتها. وعلى الرغم من سعي عدد من الدول الى تقبل تحقيق التغيير التي فرضته انتفاضات الربيع العربي ولو جزئيا وذلك بالقيام بإصلاحات تؤسس الحد الأدنى من الديمقراطية، خصوصا من خلال زيادة معايير مأسسة الدولة وزيادة المشاركة في الحياة السياسية وتفعيل الرقابة والمحاسبة وزيادة رفع الحظر على مبدأ ممارسة الحريات والمعتقد، تتحفظ في المقابل دول أخرى على أبسط مقومات التغيير الديمقراطي بدعوى المخاوف من فقدان السيطرة على النظام وتهديد الأمن. وقد رفع اختلاف الرؤى حول السياسات الخارجية والتحالفات ومسألة تشارك معايير الانتقال الديمقراطي من درجة الحذر بين دول عربية بهدف مصادرة شرعية مسار التغيير الديمقراطي أو دعمه.

وقد أثرت انتفاضات “الربيع العربي” على عمق العلاقات العربية-العربية وذلك بزيادة ظهور خلافات حول مدى تقبل الاختلاف في السياسات والدمقرطة التي طالبت بها الشعوب العربية والتي استجابت لها أنظمة دون أخرى. والى جانب عوامل الاختلاف حول تقبل مسار التغيير في بعض الدول التي تتحفظ عليه دول أخرى، برز بقوة الخلاف حول السياسات الخارجية وزعامة العالم العربي غير المنسجم والمنقسم.

وكنتيجة حتمية لهذه الخلافات زاد مؤشر الجمود في العلاقات العربية. واتسعت رقعة الخلافات أكثر من أي وقت مضى بعد تصاعد الأزمة الخليجية واستمرار القطيعة بين خمس دول عربية، بالإضافة الى استمرار تجمد العلاقات المغربية الجزائرية وزيادة غموض مصير التحولات السياسية المنتظرة في الأنظمة اليمنية والسورية والليبية والعراقية والجزائرية.

وللأزمة الخليجية الحديثة دور في بطء العمل الخليجي المشترك وتجمده جزئيا مسببة زيادة الانقسامات في العلاقات بين الدول العربية. كما أسهمت هذه الأزمة في تأجيج مسارات التحالفات الجزئية والاستقطاب في العالم العربي[1] ما دفع (بمطالب بفرض سياسة الاستتباع) الى البروز بقوة في الفترة الأخيرة.

وفي مقابل القضايا الخلافية البارزة يمكن رصد أكبر تقارب عربي منذ الستينات في التعاطي مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي من خلال زيادة فرص تحقق توافق تاريخي علني وخفي بين العدد الأكبر من الأنظمة العربية على تحقيق سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط قوامه عدم الممانعة في الاعتراف بالدولتين (إسرائيل وفلسطين) وتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية[2].

الى ذلك فان الدول العربية منذ عام 1964 كانت تشهد انسجاما في المواقف والرؤى، سواء بين الدول الخليجية والشرق الأوسطية، أو بين الدول المغاربية، الا أن اليوم زادت حدة الخلافات والانقسامات بين الدول بسبب أزمات تتعلق خصوصا بمبدأ رفض بعض الدول معايير أو سياسات تفرضها دول أخرى أصبح لها وزن اقتصادي وعسكري وتريد بموجب تلك القوة أن تفرض شروط التكامل العربي.  ويبدو ان لا حلول في الوقت القريب للازمات المندلعة بسبب عدم انسجام رؤى إدارة التغيير السياسي والإصلاح الذي من شانه تقريب المعايير المشتركة بين الأنظمة. والى ذلك شهدت الأنظمة العربية قبل خمسة عقود حالة من التضامن والتقارب غير المسبوق خصوصا في مواجهة عدو مشترك وهي إسرائيل الا أن حالة التقارب السابقة في تعريف التهديد المشترك اهتزت اليوم بفعل اختلاف الرؤى في تفسير مصادر التهديد وتوصيف الأعداء. كما زادت السياسات الخارجية العربية تحررا واستقلالية وبات لكل دولة منظومة خاصة بها في رسم سياساتها وعقد تحالفاتها وشراكاتها الإقليمية والدولية.

ونتيجة الازمة الخليجية نمت بشكل متصاعد سياسات الاستقطاب التي تغذيها محاولات بعض الدول التي تمثل طرفا في الازمة نيل دعم الدول العربية في موقفها ضد الطرف الآخر. حيث شقت الازمة الصف العربي الى قسمين على الرغم من تمسك بعض الدول العربية بالحياد. قسم يدعم بشكل علني موقف كل من السعودية والامارات والبحرين ومصر، وقسم آخر بشكل غير مباشر يدعم قطر كالامتناع بعدم مقاطعتها والبقاء ضمن قائمة الدول المحايدة.

  • تجمد نمو التجارة البينية وتراجع استقبال العمالة العربية

لم تنمو التجارة العربية البينية منذ عام 2000 حيث بقية اتجاهات الصادرات العربية الى الأسواق العربية محدودة وتقريبا حافظت على نفس النسبة منذ أكثر من 20 عاما عند متوسط 10 في المئة[3]. وبقيت عوائق كثيرة تحد من نمو السوق العربية المشتركة وتداول السلع كزيادة علاقات التوتر بين الدول وغلق الحدود واستمرار عدم تكامل الأنظمة الجمركية او استمرار عدم تجانس القوانين بين الدول العربية. وكلها معوقات أدت الى عدم تنمية السوق العربية المشتركة.

وعلى صعيد آخر لم تنمو بالشكل الكافي نسبة انتقال العمالة العربية بين دول العالم العربي. فبعد أن بلغت نسبة العمالة العربية في دول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال ذروتها في السبعينات، انخفضت في السنوات الأخيرة رغم تسجيل بعض التحسن الطفيف. وإذا ما درسنا وضع دول مجلس التعاون الخليجي كمثال لأهم الدول العربية المستقبلة للعمالة، فإن نسبة العرب من بين العمالة الوافدة المتعاقَد معهم قد انخفضت من 72 % في بداية السبعينات، إلى نسبة 56 % في عام 1985، ثم انخفضت إلى 31 % في عام 1996 و23 % في 2007، وفي السنوات الأخيرة سجلت تحسنا طفيفا لكن تبقى النسبة الأكبر للعمالة في الدول الخليجية والعربية من الجنسيات الآسيوية وغير العربية، ويرجع السبب الرئيسي لتفضيل بعض مؤسسات القطاع الخاص في بعض الدول العربية وبالأساس في دول مجلس التعاون الخليجي العمالة غير العربية نظرًا لانخفاض أجورهم[4]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى