أهم الأخبارتقارير

ارتفاع ظاهرة الهجرة غير الشرعية الى دول الخليج

زادت نسبة اقبال مواطني عدد من الدول العربية على طلب الهجرة الشرعية أو غير الشرعية أو اللجوء الى دول الخليج العربي. اذ قفز على سبيل المثال عدد طالبي اللجوء فقط سنوياً الى دول الخليج الى نحو أكثر من 12 ألف عربي خاصة من دول الربيع العربي أو الدول المجاورة التي تشهد احتجاجات وتردي أوضاع معيشية وأمنية. وتدفع الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة بفعل الصراعات والاحتجاجات في دول جوار الخليج بصفة خاصة، وأيضاً في دول عربية أخرى كبلدان المغرب العربي فضلاً عن دول أفريقية، الى زيادة نشاط حركة المهاجرين ونمو الطلب على الهجرة خاصة الى دول مجلس التعاون الخليجي بقصد العمل أو الإقامة في ظل زيادة صرامة إجراءات الهجرة نحو أوروبا والقارة الأمريكية.

وحسب دراسة مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لتوجهات هجرة العرب الى الخليج، تواجه كل من السعودية والامارات والكويت وقطر تحديات غير مسبوقة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود أو طلبات اللجوء أو الانتقال الى أسواق العمل في هذه الدول عبر الالتفاف على القوانين من خلال رصد تقارير توثق زيادة نشاط الوسطاء الذين يوفرون تسهيلات الهجرة والعمل الوهمي والإقامة بدون تأمين مسكن.

وتزيد تحديات نمو الطلب على الهجرة نحو الوجهة الخليجية من الدول العربية والاسلامية التي تشهد توترات عالية كالعراق ولبنان وسوريا واليمن ودول مغاربية فضلاً عن إيران. ويمكن تفسير الإصرار على الهجرة نحو دول الخليج نظرا لنمو حجم سوق العمل فيها بفضل خطط تنموية قيد الإنجاز، ناهيك عن الامتيازات المتوفرة للمقيم، فضلا عن مناخ الاستقرار المتوفر من جهة، ومن جهة أخرى يمكن تفسير زيادة رغبة الشباب العربي على الحلم الخليجي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية الداخلية في دولهم خاصة في الجوار الخليجي ودول المغرب العربي، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب المتعلم وأصحاب الكفاءات.

وبينت الدراسة أن وضعية التشديد والقيد الأمني على مواطني دول عربية كثيرة خاصة دول الربيع العربي ودول الجوار وعدم تقنين دخول أصحاب الكفاءات منهم، يدفع الى زيادة لجوء العديد من طالبي الهجرة العرب من هذه الدول الى توخي طرق وسبل غير تقليدية للهجرة الشرعية أو السرية الى دول الخليج عبر الاستعانة بتجار الاقامات أو عصابات التهريب عبر معابر حدودية لهذه الدول.

على صعيد آخر، بينت الدراسة أن زيادة تشديد إجراءات الهجرة الى الدول الأوروبية والأمريكية خاصة على أصحاب الكفاءة المحدودة يدفع الكثير من الراغبين العرب في الهجرة من مناطق الصراع والنزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الى زيادة التوجه الى دول الخليج بدافع عامل اللغة المشتركة. وعادة ما يكون مبرر الهجرة العمل وتكوين ثروة بفضل امتياز الاعفاء الضريبي على الدخل.

وبالنظر الى زيادة الطلب العالمي على الهجرة الى دول الخليج وتوازيا مع الصراعات والأزمات التي تشهدها عدد من الأقطار العربية، اتجهت سلطات عدد من الدول الخليجية لتكثيف الاجراءات الأمنية المنظمة لعملية دخول فئات من الجنسيات العربية وذلك بسبب اعتبارات سياسية ومخاوف امنية ليست مقننة مقارنة بالشروط المفروضة على الوافدين الاسيويين والغربيين. وبسبب استمرار امتناع دول الخليج عن استضافة لاجئين من الدول العربية المجاورة، يزيد في المقابل إصرار الكثيرين من العرب على الحلم الخليجي.

وتستغل أطراف طرافكثيرة زيادة الطلب العربي على الهجرة الى دول الخليج، خاصة مكاتب العمل الوهمية وتجار الاقامات، من أجل تقديم تسهيلات عبر اصدار تأشيرات عمل أو إقامات وهمية مقابل مبالغ مالية. وبات شراء الإقامة ممكنا عن بعد وهي احدى أكثر الطرق رواجا للولوج الى دول الخليج بدون تأمين عمل او مسكن. وهو ما يعد شكلا من اشكال الهجرة الوهمية غير القانونية، وبتعثر بعضهم في الحصول على عمل، يضطر الكثير من المهاجرين الى الإقامة والعمل غير القانوني والسري، وقد يصبح بعضهم عرضة للاستغلال وخاصة الاناث.

زيادة طلب العرب على الهجرة الى الخليج بطرق مختلفة

في ظل استمرار التوتر وعدم الاستقرار في دول جوار الخليج بصفة خاصة، زاد الطلب على الهجرة غير الشرعية الى دول مجلس التعاون الخليجي. فبالنظر إلى ثروة دول مجلس التعاون وانفتاح الاخيرة على العالم والتسهيلات التي تقدمها وحقيقة أنها مراكز للمؤسسات المالية، تعتبر وجهة منتظمة للمهاجرين غير الشرعيين سواء من الدول العربية أو من أي مكان آخر[1]. الى ذلك، تم رصد زيادة عدد الراغبين سنويا في الهجرة الى دول الخليج من جنسيات عربية عبر تقديم طلبات لجوء، اذ ناهز عدد مقدمي طلبات اللجوء في 2018، نحو 12 ألف طلب خاصة من دول الربيع العربي والدول التي تشهد احتجاجات وصراعات، وبينهم من استطاع الولوج الى هذه الدول[2].

كما ظهرت أساليب أخرى للهجرة الى دول الخليج وأبرزها شراء عقود عمل أو إقامة عبر مكاتب متخصصة ووسيطة في دول المنشأ أو الدول الخليجية المضيفة. الى ذلك برز تحدي الهجرة السرية وغير الشرعية. فعلى الرغم من محدوديتها تبقى من بين التحديات الأمنية التي تواجهها دول الخليج. حيث تبقى محاولات التسلل عبر الحدود خاصة المتاخمة لدول الخليج من جهة العراق واليمن تراود عددا من المهاجرين. اذ أنه رغم الحرب التي تمزقه، فاليمن يبقى الوجهة المفضلة للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من بلدان القرن الافريقي، والذين يرغبون في التسلل والعمل في الدول الخليجية الغنية[3]. لكن أغلب محاولات الهجرة غير الشرعية تبوء بالفشل نظرا للتحوط الكبير من حرس الحدود الخليجي الذي يشدد مراقبة حركة الدخول والخروج عبر منافذه البرية والبحرية والجوية. رغم ذلك، تبقى الرغبة ملحة من كثير من المهاجرين للوصول الى دول الخليج، وقد يبتكر بعضهم الكثير من الوسائل للوصول، في ظل الإصرار على تحسين أوضاع معيشية متردية تؤثر تداعياتها على الشباب أكثر من أي فئة أخرى.

ومن بين أهم الثغرات المحتملة التي قد يستغلها مستقبلاً طالبو الهجرة السرية أو غير الشرعية هي زيادة احتمال الدخول الى دول الخليج عبر التأشيرة السياحية. اذ قد تُمثل بعض التظاهرات العالمية التي ستقام في الخليج كمعرض “اكسبو” الدولي بالإمارات و”كأس العالم” بقطر احدى اهم المناسبات التي تدفع هذه الدول الى توقع زيادة استقبال زوار قد يكون بينهم من يلجأ اليها بقصد الهجرة بدل العودة.

لكن مهما زاد عدد الراغبين العرب في الهجرة الى دول الخليج، تبقى نسبتهم أقلية متراجعة مقارنة بتخمة من الوافدين الاسيويين المستمر عددهم في النمو.

وعلى صعيد آخر، تعاني دول الخليج بشكل كبير من زيادة سنوية وكبيرة في عدد المقيمين الهامشيين وغير القانونيين، والذين يقدمون بطرق مختلفة أبرزها عبر مكاتب وسيطة لتوفير عقود عمل او اقامات حرة. وتمثل زيادة المقيمين خاصة منهم بلا عمل والمصنفون ضمن العمالة الهامشية تحد أمنى واجتماعي كبير في ظل مطالبات بتنظيم التركيبة السكانية وتوطين الوظائف.

زيادة القيود الخليجية على المهاجرين العرب تدفع الى نمو خطر الهجرة غير الشرعية

حسب بيانات الأمم المتحدة والمعهد الدولي للهجرة، فان عدد المهاجرين في العالم قفز الى 272 مليون نسمة في عام 2019 بزيادة قدرها 51 مليوناً منذ عام 2010 وفقًا للتقديرات الصادرة من قبل الأمم المتحدة. وبالتالي لا تزال الزيادة في عدد المهاجرين الدوليين تفوق نمو سكان العالم.

وينتقل أغلب المهاجرين الى وجهات تشهد تنمية واستقرار أمني وسوق عمل كبيرة وتتوفر فيها ظروف اقتصادية ومعيشية متقدمة. وتعتبر دول الخليج بين أفضل وجهات الطلب على الهجرة بفضل اقتصاداتها القوية وملائتها المالية وامتيازاتها الضريبية ومتوسط الدخل العالي نسبياً فضلاً عن الاستقرار الاقتصادي والأمني. وعلى الرغم من سياسات الهجرة المقيدة، تستضيف دول مجلس التعاون الخليجي قرابة عُشر العمال المهاجرين على مستوى العالم[4].

وتجذب دول الخليج المهاجرين من كل العالم نظراً لاقتصادها ذي الدخل المرتفع. ففي عام 2015 استضافت دول المجلس الستة 25.4 مليون مهاجرا. وتمتاز منطقة الخليج عموماً بالنسبة العالية للمهاجرين مقارنة بإجمالي عدد السكان، إذ أن 50٪ من سكان دول مجلس التعاون الخليجي هم من المهاجرين، وهي أعلى نسبة مهاجرين في العالم. فالإمارات على سبيل المثال تستضيف أعلى نسبة مهاجرين في الخليج والعالم وتبلغ 85٪ من السكان. ويشكّل المهاجرون الأكثرية السكانية أيضاً في كل من الكويت وقطر والبحرين.[5] وتستضيف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لوحدهما فقط نحو أكثر من 21 مليون مهاجر.

وفي ظل استمرار ارتفاع النزوح القسري عبر الحدود الدولية والاقليمية، زاد العدد العالمي للاجئين وطالبي اللجوء بنحو 13 مليون، وهو ما يمثل ما يقرب من ربع الزيادة في عدد جميع المهاجرين الدوليين[6]. وقد زادت نسبة الرغبة في الهجرة من سكان دول شمال افريقيا والشرق الأوسط من 19 في المئة في 2010 الى نحو أكثر من 26 في المئة في 2017[7]. وقد زادت رغبة الهجرة خاصة من الدول التي تشهد النزاعات المسلحة المستمرة والتوترات، على سبيل المثال السودان وسوريا، واليمن، والعراق. وبرزت السعودية والامارات بين اهم الوجهات المفضلة للمهاجرين.

لكن تجدر الإشارة الى أن وتيرة نمو هجرة العرب الى الخليج لا تزال محدودة للغاية ومتراجعة مقارنة بنسبة وتيرة النمو في التسعينات. اذ تعاني دول الخليج من تقهقر نسبة العمالة العربية مقارنة مع سوق العمل الضخم، مقابل طفرة العمالة الاسيوية الذي مثل نمو حجمها بشكل لافت تحد ديموغرافي كبير خاصة على مستوى تداعياته الثقافية وأثره على الهوية العربية الخليجية. الى ذلك قد يكون اللجوء لتقنين زيادة الاستعانة بالعرب خاصة من الدول التي تشهد أزمات خانقة ضمن ما يعرف بالهجرة الانتقائية حسب مؤشر الكفاءة وندرة الخبرة محفزا لتقليص توجه عدد من طالبي الهجرة في دول الجوار خاصة الى تجار الاقامات وعصابات التهريب من أجل الظفر بفرصة عمل في دول الخليج العربية.

وتجدر الملاحظة أن نـسـبـة الـعـرب فـي الـتـركـيـب الـسـكـانـي الـخـلـيـجـي في انخفاض مستمر، حتى وصلت إلى نحو 20 في المئة في المتوسط في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وُعزى ذلك بالدرجة الاولى إلى الخلافات السياسية العربية، بالإضافة إلى ضعف الكفاءة وأجـورهـم العالية مقارنة بالآسيويين[8].

وقد شكلت العوامل الاقتصادية والسياسية معاً أنماطاً تاريخية للهجرة إلى الخليج، وأدت إلى الانتقال من عمالة وافدة غالبيتها عربية إلى عمالة آسيوية وعالمية أكثر. وتبين التقديرات أن الأرقام المتوفرة تشير إلى نحو 2.4 مليون عامل عربي حالياً في دول الخليج العربية. وعلى الرغم من التحول الذي طرأ على تركيبة القوى العاملة المهاجرة في الخليج، فإن ثمة أهمية حيوية للاستمرارية توفر فرص عمل أمام المهاجرين العرب في بلدان مجلس التعاون الخليجي، خاصة وأن الشرق الأوسط عاد مرة أخرى ليعاني مستويات عالية من الاضطراب والصراع. وفي حين لا تقبل دول الخليج استضافة لاجئين من الدول العربية المجاورة، فإن رغبة العمال العرب بالعثور على فرص العمل في دول مجلس التعاون ازدادت نتيجة حالات العنف والحرب التي يمرون بها في أوطانهم[9].

الحلول الممكنة لتنظيم الهجرة الانتقائية للعرب نحو دول الخليج

حسب دراسة تجارب تعامل السلطات الخليجية مع إشكاليات الهجرة، فان تسهيل دخول العمال المهاجرين إلى دول مجلس التعاون الخليجي يقلل من حالات تجاوز القوانين وتجارة الاقامات وعمليات تهريب البشر الخطرة، لأن مثل هذه الانتهاكات لا تحدث على الأرجح الا في وجود عوائق قانونية مهمة أمام الهجرة. وعلى ضوء هذه الانتهاكات تبرز مشكلة “تجارة التأشيرات”، حيث يستغل المتسللون الدوليون نقاط الضعف في النظم القانونية للبلدان المرسلة واعتماد البلدان المستقبلة على العمالة المهاجرة لإنشاء سوق سوداء للعمال المهاجرين[10].

وتتطلب الحلول طويلة الأجل لتنظيم الهجرة الانتقائية الى دول الخليج تنسيقًا كبيرًا بين البلدان المرسلة والمستقبلة. علاوة على ذلك، ثمة تحد إضافي يتمثل في أن الجهود التي تبذلها البلدان المستقبلة الغنية لتقليص الهجرة إلى الداخل عادة ما تزيد من حدة المشاكل مثل التهريب والاتجار، لأنه كل زادت القيود غير المقننة والمجحفة على المهاجرين لدخول بلد ما، يدفع ذلك الى جعل الجريمة المنظمة أكثر ربحًا.[11] ويجدر التذكير بإمكانية استغلال عدد من الأطراف ذات المصالح المتداخلة الحاجة الملحة لعدد من طالبي الهجرة بشكل تجاري وربحي بحت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى