التعايش بين الأديان حتمية وجودية … بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
“الدين لله والإنسانية للجميع” عبارة تتردد بقوة فى وجدانى كلما تفكرت فى حكمة الله وعظمته فى التنوع والتعددية والتباين فى العرق واللون والألسن والأديان والمذاهب والطوائف والثقافات والعادات وحتى الجينات التى تحمل الموروث الإعجازى المتنقل من الأجداد للآباء للأحفاد ، أنماط بشرية متعددة فى عوالم تتواصل أحيانًا وتتقاطع أحيانًا أخرى ، ومع ذلك ورغم هذا التنوع المذهل إلا أننا نجد أن الفطرة الإنسانية السوية هى العامل المشترك بين الجميع وهى قاعدة لم يشذ عنها إلا ضيقى الأفق الباحثون عن ذواتهم فى أزقة التعصب ودروب الجهل فى مغارات التاريخ الذى يأخذون منه فقط وما يتوافق وأهواءهم المنحرفة عن جادة الحق والصراط المستقيم .
لذلك يحتاج المجتمع الدولى الإنسانى لكل ما يرسخ مفهوم التسامح فى القلوب والعقول والضمائر ، لأن التسامح ليس فقط مجرد مصطلح نطلقه فى الندوات والمؤتمرات والاتفاقيات ولكن هو مفهوم يستلزم التطبيق العملى لنصوص الكتب السماوية الثلاث ( الإبراهيمية) وما جاء فى الأديان الأخرى الغير سماوية وأبرزها البوذية والهندوسية ، حيث نجد أن القاسم المشترك كما نعلم جميعًا هو الدعوة للتسامح والسلام والعيش الكريم لكل البشر ، فنجد مثلًا فى العهد القديم فى الوصايا ” كفوا عن الإساءة. تعلموا الإحسان. التمسوا الإنصاف” ، وفى مواعظ السيد المسيح وصل التسامح إلى أعلى مستوى ” أحبوا أعداءكم . باركوا لاعنيكم . أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم”. إنجيل متى 45:5 ، وفى القرآن الكريم يقول المولى عز وجل فى محكم التنزيل “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” الحجرات (١٣) .
لذلك عندما نتحدث عن التسامح والأخوة الإنسانية والتعايش بين البشر على تنوعهم واختلافهم نحن لا نخترع نظرية وضعية لمعالجة الصراع الدائر بين الحضارات، ولكن هى دعوة للعودة إلى الفطرة الإنسانية السوية التى فطر اللهُ الناسَ عليها لا تبديل لخلق الله ذلك هو الدين القيّم وإن كان أكثر الناس لا يعلمون لحكمة ربانية فى مجاهدة النفس والشيطان والهوى ، هى محاولة من معسكر الخير لبعث روح التسامح فى الجسد الإنسانى الواحد لأن الحياة لم ولن تستقيم إلا بالعدل والحرية والمساواة والإخاء ، هى دعوة أشبه بصرخة مدوية تربك حسابات معسكر الشر الذين يبغونها شقاقًا ونارًا تحرق الجميع .
فى اليوم العالمى للأديان نتذكر بكل خير العقلاء من المفكرين والفلاسفة والقادة ورجال الدين وحتى البسطاء المجهولون فى الأرض المعروفون فى السماء وكل من كتب ووعظ ونادى بضرورة التسامح حفاظًا على كرامة الجنس البشرى وحقوق الإنسان ، وعلى النقيض فإن دعاة الشر والفتنة فى كل زمان ومكان يلعنهم التاريخ ويلقى بهم فى مزابله غير مأسوف عليهم ، لأن عمر الإنسان مهما طال فهو قصير بمعايير الزمن ولكن طويل ومبارك بما يقدمه لنفع البشرية وخيرها .
نسأل الله العلى العظيم أن يجمع القلوب على محبته وأن يعم الأمن والسلام مشارق الأرض ومغاربها وأن يحفظ علينا أمننا ووعينا اليقظ وضمائرنا الحية وثوابتنا وأن يرزقنا دائمًا وأبدًا كلمة حق لا نخشى فيها لومة لائم ، يا مجيب الدعاء يا رب العالمين.