أهم الأخباركتاب

ثقوبٌ تعزفُ حزنَها … بقلم خولة سامي سليقة

 

المطر، الليل، الكلماتُ، و قطارات المسافات البعيدة، شرفات لا تقيم أنغامُ الفرح فيها طويلاً،

و أنا امرأة غزتني الموسيقا يوم ولد الترقب، ترافق قراءاتي و كتاباتي ظلاَ يغيّر اتجاهاته فقط،

أفقد معها وزني، أبتعد عن الأرض رويداً رويداً و جسدي على أرض لا تعرف كيف توقف

غيبوبتي و تعيد إليّ وعيي، تمرّ الساعات برفقتها و لا أسمعها لكنْ أحسّ خريرها في دمي، لا أذكر ما استمعتُ إليه لكنه من صنف الحزن لاشك في الأمر.

ما اخترت الناي بل اختارني، ما هربت منه و لا خشي خيانتي، كلانا يضيع في طبقات الهواء حين يُعلنُ الغيابُ مع النغمات، كلانا يجوبُ المجراتِ بلا قيد أو حساب، كلانا وجد منذ أقدم العصور مع الألواح الطينية السومرية، البابلية، الآشورية و البرديات الفرعونية، كلانا قاسٍ يشطر القلبَ بلا رحمة لأنه من قصبٍ أجوف!

من فم الناي تخرجُ أمسياتي تباعاً، شاردة الذهن أدخل جوف قصبةٍ و أسحب من طرفها الآخر ما علق من صوتي الممتد شهقةً خلفَ أخرى، لا أعزف بأصابعي إنما يعزفني الناي مع كلّ عتمة، تصعب عليّ الكتابة إذا لم يحرثْ أنينهُ مسمعي و تقلّب أصابعهُ تربةَ فكري، لا أعزفُ أنا غيرَ أنّي عرّابة الروحِ التي تكاد ترتقي إلى السماء مع كل نفخة .. أقف ممدودة الكفّين أخشى على فم خلف الناي يوشك أن يقذف قلبه.

أي طبقات عميقة من الحسّ يحرسها الناي و يقتلها في آن معاً؟

أتراه بوابة الحزن الكبيرة؟

سبيب الربابة، الدفوف، الطبول ،الناي، أبناء الحياة التي كانت تتنفس معنا فصارت تتنفس منّا، كلها رسائل بفم صامتٍ لكننا نسمعها جيّداً لأنّا منها نحكي و نتنفس ثم نبوح، فما حمل نبض الحيّ إلا حيّ مثله.

أما جرّك الناي يوماَ إلى مستنقع الحزن خلفه؟ نظر إليه يقهر الدنيا الفانية فينا، يخترقُ الليل بثبات، يعشّش في سكنات الظلمة و حركاتها،

نسبح خلف النغم و أثوابنا البيضاء تدور تدور، تتسع الدوائر كلما كانت حجارة الألم أكبر، لكنها  بسرعة تغوص عميقاً ليهدأ الماء و تفنى الدوائر.

جرّبت يوماً أن أكتب دون سطوته، وجدتني أرسمُ ستة ثقوبٍ أدخل الأول و أتمدّد على بوابة الثاني حتى اشتعل رأسي موسيقا، صار القلم ناياً، الورق ناياً و على مشط  قدمه راح الليل يرقص، يتلوى، و عالم الكلمات يتحلّق مشدوهاً حول امرأة غازلها الحبر بشغفٍ، لكن أنّى لها أن تطلق قلبها المأسور لغيره، امرأة نذرت نبضها لسُلّم لا تدركه سوى الأرواحِ الهائمة في ملكوت حبّ، يخلعُ ابتسامته فيكون حزناً في الظلام لكنه يأوي إلى فراش قلبها مع الفجر فرحاً وليداً.

 

                                                              خولة سامي سليقة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى