أهم الأخباركتاب

رنـــــــا شعـــــراوي تكتب: سلحفاة الأمل

أعيش لحظات رهيبة ضجر قاتل وحزن صامت ومميت يهجرني النوم هذه الليلة، كما هجرني في سابقاتها … أنهض وأخطو مرتجلة، أجدني قرب الباب، أمد يدي العصبية، فأفتحه … بدت لي المنطقة حينئذ، غارقة في سكون رهيب، وسواد قاتم، إلا أن أنوار بعيدة ذائبة في الضباب،  وأخرى تفرقت على هذا الشارع ، أو ذلك … كان البريق يضج أحيانًا ، ويخف أحيانًا أخرى أهو بريق عينيه؟ … هبت نسمة باردة، جذبت منها نفسًا عميقًا، حتى شعرت بنشوة تسرق عروقي وخلايا جسدي … اجتاحني تيار ورغبة جامحة للسير في الشارع لأشاركه وحدته … كان الشارع طويلاً جدًا وكانت أغلب مصابيحه قد انطفأت منذ سنين، هو مثلي وحيد وفاقد كل الحب لا شيء بات يعني له سوى الحياة بلا حياة هو الآخر يسخر مني، عدلت عن رغبتي تلك وأغلقت الباب … فأي باب يأتيك ريحًا منه أغلقه ليستريح الفؤاد، ولكن  لا أعرف نفسي في حلقات الاستسلام وفتحت الباب وماهي إلا لحظات حتى بدأت ألحان دافئة تنبعث من جوانب الباب الموصد، وبقدر ما أطربتني تلك الأنغام هي تشبهني، بقدر ما شنجتني وبعثرت أعصابي، إذ خيّل لي أن تلك الرياح تلقي بمخزون معاناتها على الأبواب والنوافذ.

بينما أنا الإنسان منعزل في غرفتي، ازداد غيظًا وغيرة من زمهرير الرياح الموجعة … ازداد إحساسًا بالوحدة هي موجعة قاسية … لا أحد يسمعني … كل الآذان صماء، لا تكترث لندائي … يظنون صمتي مصدر قوتي يظنون أنني صامتة فما زلت أتحمل سماع أنينهم، لست أنا! كفى.

لكنني أَصْطَهِجُ بتلك الألحان وهينسيجًا يشنق أنفاسي وينساب عروقي  … ترى أين ألقي بمعاناتي ؟ ومن يساعدني في التخلص من هذا العبء المنهك؟ سرت خطوات جيئة وذهابًا، بينما الأفكار والإشارات والاستفهامات؟ تتساقط باستمرار على ذهني، فتبقى حبيسة ذلك الأفق الضيق … استمر الحال على ما هو عليه، والوقت يمشي بأرجل سلحفاة إلى أن جذبني مجموعة من الروايات عليَّ أجد ضالتي بين صفحاتها برز لي العنوان الأول ملفت للنظر ولكنني لم يعد يعيرني انتباه العناوين فكل عنوان ملفت قد يكون مضمونه ندَّه لم أعرفني من بين تلك الروايات وقد تكون الروايات لم تعرفني فعدلت عن قراري وهربت من الروايات وسرقت نظرة إلى ساعة الحائط فأيقنت أن مجرد اختياري لرواية نَهَل منى الوقت الكافي لتعود الرياح مرة أخرى لتصفر بمسعي أيقنت أن الريح أصبحت أقوى عن ذي سابق وعدت إلى الواقع المرّ وجدته يزداد حدة من قبل لاعدل ولا إنصاف ضاق صدري واشتد وكأنه بركان يغلي بداخلي رغبت بأن ألقي بكل هذا إلى أذن صاغية واعية فلم أجد سوى أجوبة معلقة على الجدران بعد إن انْبَلَجَالنهار وبدت الستائر الكالحة منيرة مشرقة في انتظار بصيص الأمل في طلوع الشمس لتخاطبني وتقول:

أنا الأمل سرتِ في كل الأمكنة والأزمنة وسألت عني الليل وسكونه والقمر ونوره وناجيت روحي لم تستسلم رغم كل المبادئ حيث أن عصرنا شيعها إلى مثواه الأخير.

ولكن يا أمل تبدين حلمًا طويل جدًا مشواره بعيد المنال وكل يوم تضيف الوحدة أميالاً لتعشعش لوحدها في كياني ويمضي عمرًا فوق عمري إلى متاهة لا مهرب منها.

 

رنـــــــا شعـــــراوي

كــاتبـــة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى