” شريح بن الجهم ” أول قاضى على الكوفة #رمضان
يُعد شريح بن الجهم، من أشهر القضاة فى الإسلام، لا سيما وأن عمر بن الخطاب أوصاه بأن يحكم بما أنزل ألله فى كتابه، وبحسب سنة نبيه الكريم، فمكث فى القضاء على الكوفة طيلة 60 عاما، حتى تم عزله من منصبه على يد عبد الله أبن الزوبير فى عهد معاوية أبن سفيان، ثم أعاده الحجاج أبن يوسف الثقفى للقضاء مرة أخرى على مدينة البصرة، والتى تولى أمر القضاء بها لمدة عام واحد فقط.
بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
قصة حبه للعدل :
كان شريح فى الخامسة من عمره، حين اصطحبه والده برفته خلال سفره بقافلة تجارية، وفى طريقهم مع القافلة رفض الأطفال المرافقين لهم اللعب معه، فأعرض عنهم ليلعب وحيدًا فرآه أبوه بعيدًا عن القافلة ومن خوفه عليه من قطّاع الطرق طلب منه أن يلعب مع الأطفال فنهره بصوتٍ مرتفعٍ، فأخذ الأطفال بالضحك عليه وما لبثوا أن ذهبوا إلى أبيه وأخبروه بأن ابنه يرفض اللعب معهم وأنه عصاه، فضربه أبوه ولم يستطع أن يقتنع بأنّ الأطفال يكذبون ولم يجد من يشهد معه، تركت هذه الواقعة أثرًا كبيرًا فى نفس شريح فكره الظلم وأنّ الحق بحاجةٍ إلى إثباتٍ، وعاش خالدًا وأثر هذه القصة مغروسًا بنفسه فأصبح المُدافع عن الضعفاء والمظلومين وعرفه الناس بعدله.
توليه قضاء الكوفة:
تولى القضاء الكوفة فى سن ـ47، ومكث فيه مدة 60 سنة، حتى بلغ سن الـ107، كان فريدًا فى أنّه كتب فوق مجلسه “إنّ الظالم وإنْ حكمت له ينتظر العقاب، وإنّ المظلوم وإنْ حكمت عليه ينتظر الإنصاف”، ثم أضاف الحديث النبوى “إنّكم تختصمون إلى وإنّما أنا بشر فأيّما رجل اقتطعت له حقّ من أخيه لا يستحقّه فإنّما اقتطعت له قطعة من النّار سيطوّق بها يوم القيامة”.
فرس عمر:
اشترى عمر من أعرابى حصانًا ودفع ثمنه، وبعد قليلٍ وجد عمر فى الحصان عيبًا فأراد أن يرجعه له إلا أن الأعرابى رفض ذلك فقال له عمر اختر من شئت ليحكم بيننا فاختار الأعرابى شريحًا ولم يكن عمر يعرفه، فدعاه إلى بيته ليحكم بينهما فرفض شريح وقال لعمر” خذ ما ابتعت أو رد ما اشتريت” فرد عمر ” قول فصل وحكم عدل”، فسأل عمر من أين تعلمت العدل فأجابه من سورة ص، فطلب من عمر أن تكون دارًا متخصصةً بالقضاء فقد كان القاضى يحكم من بيته، فقال له عمر” اذهب فقد وليتك قضاء الكوفة” ومن لحظتها أصبحت للقضاء دار مستقلة فى كل الأمصار.
دار القضاء
سأله عمر “من أين تعلّمت العدل” فأجابه “من سورة ص” فسأله “وماذا فيها” فأجابه بقوله تعالى “وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، أن هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ، قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، َغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ”.
فشرح أنّهما لمّا تسوّرا المحراب لم يكن داوود مستعدًّا للقضاء ففزع منهما فلم يأت بالحكم الصحيح. فطلب من عمر أنه لابدّ من دار متخصّصة مستقلة للقضاء، وكان قبلها القاضى يحكم من داره. وهنالك ولّاه عمر قضاء الكوفة قائلًا ” اذهب فقد ولّيتك قضاء الكوفة». فوافق شرط أن يجعل فى الكوفة دار مستقلة للقضاء، فجعل عمر ذلك فى الكوفة وفى كلّ الأمصار والبلاد التى تحت حكمه”.
وصية عمر بن الخطاب له فى القضاء:
أوصاه فى رسالة جاء فيها (إذا أتاك أمر فى كتاب الله، فأقض بهِ، فإن لم يكن فى كتاب الله وكان فى سنة رسول الله فاقض به، فإن لم يكن فيهما فاقض بما قضى به أئمة الهدى، فإن لم يكن فأنت بالخيار أن شئت تجتهد رأيك، وإن شئت تؤامرنى ولا أرى مؤامرتك إياى إلا أسلمُ لك).
حكمه على الإمام على أبن أبى طالب لصالح اليهودى فى واقعة الدرع:
تنازع على وهو أمير للمؤمنين مع يهودى على درع فاحتكما إلى شريح، فقال شريح لعلي: يا أمير المؤمنين هل من بينة، فقال له أمير المؤمنين نعم ابنى الحسن، فقال له شريح ” يا أمير المؤمنين شهادة الابن مع أبيه لا تجوز، فقال له على ” الدرع لليهودى لأنه ليس معى شهود، فأعجب اليهودى وقال فى نفسه ” أمير المؤمنين قدمنى لقاضيه، وقاضيه يقضى عليه ” أشهد أن هذا الدين على حق وأعلن إسلامه.