ليلةٌ فقط … للشاعرة خولة سامي سليقة
………………………………………………………………………………
يغلبني الصّمت كثيراً، لا رغبة لي بالبحث عن كلماتٍ تفي بالغرضِفثمة ما يخرجُ عن دائرة الإحاطة و التّطويق بالألفاظ،في العمل أو البيت أرقبُ الأطفالَ و الفتيان أو الشّباب في مقتبل العمر كيف يلعبون و يتمازحون أو يتسامرون،أرى نمطا واحداً
تقريباً يطغى على العلاقاتِ و أساليب التّواصل الهشّ،ألمسُ فيهم ضيقاً واضحاً و تبرّماً منالآخرين فلسانُ كلّ منهم دِرّةٌ لا ترحمُ أحداً،حتى لينقلبَ الضّيقُ بسرعة البرق إلىعنفٍ بيّنٍ عند أوّلِ عقبةٍ.
أرقبُ الشباب يهبّون أمامَ أوّل نقاشٍ. اشتعالٌ سريعٌ ،يلجؤون إلى تدمير الأشياء عوض البحث عن إصلاحها مادام الدّمارَ هو الأسهل و الأسرع، عايشت الكثير من صور الأنانية عند الصغار أثناء عملي،تشعركَ بعضُ ردود الأفعال أنّ صورة الأرضِ تزدادُ ضيقا في العيون و أن بقاء أفرادٍ مرهون بزوال آخرين،تصعقني التحولاتُ السريعة في أفكارِ الأجيال المتلاحقة خلال عقود قليلة لو أردنا إحصاءَها.
أنزوي إلى ركنٍ قَصيّ من الذاكرة مازال غضّا نديّا،أتذكرُ لعبي مع إخواني و أخواتي، كلّ شيئاً كان جميلاً، يسعدنا و يتّسع لنا جميعا، يرضينا يشبع شغفنا للتعلم و التجربة، حتى الدّمى القماشية التي أخاطتها أمي و ملأتها قطناً،أطلقنا عليها الأسماء و الكنى، أطعمناها و اعتنينا بها، ألبسناها قطع القماش الملونة و تحدثتْ بألسنتنا،حرّكت فينا
الأمومةَ الغافية و حبّ الحياة.
حتى إذا ما جمعتنا ألعابٌ جماعية للصبيان و البنات رحنا نعدو بفرح ،ندفن الشّجارَ قبل أن يمتدّ أو يولد، فلسنا على استعدادٍ أن نوقف اللعب أو نتلقى عقاباً فتضيعَ من أعمارنا أمسية لهوٍ و عبثٍ.
كم جرحٍ ضمدناه كيفما اتفقَو اجتهدنا في إخفاء التخريب الذي أحدثناه أو كسر الأواني و التحف، حتّىلا نضطرّ إلى المثول أمام الوالدين ثمّ تبرير الحادثة أو تلقي النصائح!
هل كان العالم أكثر رحابة فيما مضى و يضيق على الأجيال رويداً رويداً دون أن نشعر نحن بذلك؟
هل كنّا أكثر حبّاً لبعضنا البعض،أكثر احتضانا و أوسع صدوراً؟ ما من يومٍ أشهدفيه عراكاً بين المتعلمين الصغار الذين يقضون مع بعضهم أوقاتا تفوق الوقت الذييمضونه بين إخوانهم في المنزل،أو أستمع فيه إلى مشادة كلاميّة بين أولادي على أمورٍ تافهة لا تستحقّ الذّكر،إلا و أتنهّد و في الصّدر أمنيةٌ مستحيلة؛ أن يعود بيالزمنُ كثيراً، لأنام مع إخواني و أخواتي جميعاً في بيتي الأول ليلة دافئة واحدةكما فيالماضي، عندما كنّا صغاراً.
أيا طيرُ خذني إليهمليلة واحدة فقط!
خولة سامي سليقة