رمضان في التاريخ الاسلام …#رمضان فى العصر الفاطمي
تحول رمضان فى الخلافة الفاطمية إلى مناسبات شتى وطقوس متنوعة وحفلات متتابعة أصبح بها فريدا بين شهور العام ..
وتبدأ الاحتفالات الفاطمية بأول يوم فى رمضان أو ما يعرف بغرة رمضان . وهناك ما كان يعرف بطبق غرة رمضان حيث يرسل الخليفة الفاطمي فى أول رمضان هدية لجميع الأمراء والموظفين والخدم ، وهذه الهدية عبارة عن طبق لكل واحد منهم وطبق لكل واحد من أولاده ونسائه ، وفى الطبق حلو&igrae;لوى وفى وسطه صرة من الذهب ، فيعم ذلك سائر أهل الدولة ، ويقال لذلك غرة رمضان.
وقبل توزيع غرة رمضان يكون ركوب الخليفة الفاطمي فى موكب يشق القاهرة ويبدأ الاستعداد لركوب الخليفة بانقضاء الأيام الأخيرة من شعبان
طقوس ركوب الخليفة الفاطمي:
ركوب الخليفة الفاطمي فى أول رمضان كان يعنى عند الشيعة الإسماعيلية رؤية الهلال، ومع ذلك فأن طقوس ركوب الخليفة الفاطمي فى رمضان هي نفس الطقوس الفاطمية فى ركوب الخليفة فى كل المناسبات خصوصا ركوبه فى أول العام . وكان من العادة أن تكتب منشورات رسمية إلى الولاة والعمال والنواب فى الأقاليم تصف هيئة ركوب الخليفة فى تلك المناسبات وما حدث فيها .
وقبل خروج الخليفة يتم تزيين الشوارع . ويقوم بذلك تجار القاهرة ومصر ( ويقصد بهما ما يعرف الآن بالقاهرة الكبرى) وأولئك التجار كان فى مقدمتهم الصيارفة وتجار الجواهر والقماشون والصاغة ، وكل تاجر يزين الطريق بما تقتضيه تجارته وبما يعد فى عصرنا إعلانا عن التجارة التي يمارسها ويحرص على كتابة الشعارات التي توضح أنه ينتظر البركة من مرور موكب الخليفة بجواره.
ويصطف العساكر والعبيد على الطرقات وعلى أبواب الحارات التي يجرى تجميلها وتنظيفها لمرور الموكب ، ثم يبدأ الخليفة باستدعاء الوزير ليطمئن منه على برنامج الموكب ، وبعدها يخرج الخليفة من قاعة الذهب وأمامه الوزير فيجتاز باب الذهب ، وتكون صفوف العساكر عن يمينه ويساره من القصر إلى الشارع . وحين يخرج من القصر يبدأ بباب الفتوح حيث يستقبله العساكر وهم فى أبهى زينة .
ويمشى الموكب فى الشوارع وقد علقت عليها الستائر والأعلام ، ويدخل من باب النصر ويتم توزيع الصدقات على المساكين وتفرقة الأموال على (المستورين ).
ثم يعود إلى القصر فيدخله من باب الذهب الذي خرج منه ، وهنا يتلقاه المقرئون بترتيل الآيات القرآنية فى طول الدهاليز إلى أن يدخل خزانه الكسوة الخاصة بالخليفة ، وفى الخزانة يغير الخليفة ثياب الموكب بثياب غيرها ، ويتوجه بالثياب الجديدة إلى تربة آبائه ليقرأ عليهم الفاتحة ، ثم يعود إلى قصره للراحة .
وفى ذلك الوقت تكون الأسمطة – أي الموائد – قد تجهزت ، بنفس الطقوس المعتادة فى تجهيز الموائد وفى حضورها وفى تفرقة الطعام ..
سماط شهر رمضان
وكانت العادة أن تقام المآدب الرسمية لشهر رمضان فى قاعة الذهب حيث يوجد عرش الخليفة الفاطمي –أو السريرـ المصنوع من الذهب الخالص والمطعم بالجواهر .وكان لجلوسه على ذلك العرش الذهبي طقوس خاصة تخرج عن موضوعنا ، ولكن كانت قاعة الذهب هي مكان سماط الشهر الرمضاني .
وتبدأ المآدب الرسمية من يوم الرابع فى رمضان إلى السادس والعشرين منه.
ويتم دعوة الضيوف إلى هذه المآدب الرسمية باستدعاء رسمي من قصر الخلافة. ووفقا لنظام خاص ، فقاضى القضاة تأتيه الدعوة فى ليالي الجمع توقيرا له ، أما الأمراء ففي كل ليلة يأتي قوم منهم بالنوبة وبالترتيب حتى لا يحرمونهم من الإفطار مع أسرهم وأولادهم ، ويتم ذلك طبقا لاستدعاء رسمي لكل منهم حتى لا يتأخر ، والوزير يحضر كل يوم ويجلس فى صدر المجلس ، فإن تأخر أو لم يحضر لعذر طارئ حضر عنه أبنه أو أخوه ، وإن لم يحضر ناب عنه صاحب الباب أو الحاجب.
فإذا حضر الوزير أخرجوا إليه من الطعام الموجود أمام الخليفة ، ويمر الخليفة بيده على ذلك الطعام تشريفا للوزير ، وربما حمل الوزير لسحوره بعضا من السحور الخاص بالخليفة .
وكل ما هو معروف ومشهور من الطعام يوضع على تلك الموائد فى طول القاعة بحيث لا يفوت القائمون على إعداد السماط شيء من أطايب الطعام ، وسفرة الطعام مبسوطة تشمل ثلثي القاعة ، والفراشون قيام يخدمون الحاضرين ويحضرون لهم الماء المبخر فى كيزان الخزف .
وتنتهي المأدبة بعد العشاء الآخرة فيتفرق الحاضرون ، وبعضهم يأخذ معه ، ما يكفى جماعة ، ويتم توزيع ما يبقى على أهل القاهرة ، وتصل تكلفة السماط الرمضاني ثلاثة آلاف دينار فى مدة سبعة وعشرين يوما .
سحور الخليفة :
وبعد الإفطار وسماط رمضان ، يجلس الخليفة فى الروش إلى وقت السحور والمقرئون تحته يقرأون القرآن ( يتغنون به ) ويطربون بحيث يشاهدهم الخليفة ، ثم يحضر بعدهم المؤذنون فيأخذون فى التكبير وذكر فضائل السحور ويختمون بالدعاء، ثم يأتي الوعاظ فيذكرون فضائل رمضان وينشدون مدائح للخليفة وقصائد صوفية ، ثم يقوم الجميع للرقص ويستمرون فيه إلى منتصف الليل ، فيأتي للخليفة أستاذ من القصر ومعه كشف بالإكراميات للمقرئين والمؤذنين والوعاظ ، فينظر فيه الخليفة ثم يأذن بتوزيعه عليهم ، ثم تأتى إليهم كميات ضخمة من القطائف والحلوى فيأكلون ويملئون أكمامهم ليعودوا لأولادهم بشيء منها وما يتبقى يتخطفه الفراشون والخدم.
ثم يجلس الخليفة فى سماط السحور فى نفس القاعة – قاعة الذهب – وبين يديه المائدة وقد عبئت بكل أنواع اللحوم من حيوان وطيور ، وفى وسط المائدة آنية ضخمة اسمها ” القعبة الكبيرة” وقد ملئت بطعام خاص بالخليفة ، ويحضر جلساء الخليفة على السحور وكل منهم يأكل ما يقدر عليه ، ثم يومئ الخليفة لهم بالأذن من أكل الطعام الموجود فى ” القعبة الكبيرة” فيفرق الفراشون عليهم منه ، وكل من تناول منه شيئا قام وقبَّل الأرض أمام الخليفة وأخذ منه على سبيل البركة لأولاده ، وبعدها تقدم لهم الصحون الصيني مملوءة بالقطائف فيأخذون منها كفايتهم .
وبعدها ينتقل الخليفة إلى مكان أخر اسمه الباذهنج فيجلس وأمامه العصائر وأنواع اللبن والسويق والفواكه ، ثم يكون بين يديه صينية ذهب مملوءة من السفوف ، ويحضر الجلساء ويأخذ كل منهم فى تقبيل الأرض أمام الخليفة ويسأله أن ينعم من ذلك ،فيفرق الفراشون عليهم منه فيأخذونه فى أكمامهم وينصرفون بعد السلام.
كشف المساجد:.
وفى الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان يقوم القضاة بكشف المساجد ، فيطوفون بمساجد القاهرة ومصر لينظروا حالها وما تحتاجه من عمارة وتنظيف ووقود للقناديل وحصير وغير ذلك ، وتبدأ مسيرة القضاة بجامع المقس ثم ببقية المساجد والجوامع ثم بالأضرحة ثم بالقرافة ، وكان يصحب القضاة كثير من الشهود والطفيلين الذين ينتهزون الفرصة بذلك لحضور السماط مع القضاة .
الختم فى آخر رمضان :.
وموعده يوم 29 رمضان ، وفيه يتم إعطاء المقرئين والمؤذنين والوعاظ أضعاف ما كانوا يأخذون فى الليالي السابقة . ويحضره الوزير وآله مع الخليفة مع جمع من المقرئين والمؤذنين والوعاظ ، وتحضر سيدات القصر أنواعا من الأطعمة والمثلجات وتوضع أمام المقرئين والمؤذنين لتشملها بركة ختم القرآن ، ثم يستفتح المقرئون القراءة بالحمد إلى خاتمة القرآن تلاوة وتطريبا ، ثم يقف الخطيب فيسمعون منه ويدعو للخليفة ، ثم يكبر المؤذنون ويهللون وينشدون القصائد ، ثم ينثر الخليفة عليهم الدنانير والدراهم ، وتقدم لهم أواني القطائف مع أنواع الحلوى ثم يخرج أستاذ من القصر ومعه كسوة التشريفة ويتم توزيعها على الخطيب وغيرة مع دراهم أخرى تفرق على المقرئين والمؤذنين والوعاظ.
وفى أواخر رمضان سنة 516 وفى خلافة الآمر الفاطمي أقام الخليفة حفلا لختم رمضان وعبىء سماط الفطرة فى مجلس الملك بقاعة الذهب ، وكانت الحلوى أهم طعام فى السماط ، وبعدها صلى الخليفة الآمر بالناس صلاة العيد فى المصلى التي تقع بالقرب من باب النصر ، وخطب بالناس . وكان ذلك كله قد أبطله الوزير الأفضل فعاد العمل به بعد مقتل الأفضل .
اجمالى التكلفة
وبلغ المصروف على نفقات الموائد فى ليالي رمضان كلها 16436 دينارا ، بالإضافة إلى مرتبات المقرئين والمسحراتية وثمن المشروبات والحلاوة والألعاب ، وبلغت المصروفات العامة على شهر رمضان مائة ألف دينار نقدا وتشمل النفقات الإضافية والصدقات وحلوى عيد الفطر وكسوة العيد .
وكانت العادة أن تضرب الخلافة الفاطمية نقودا تذكارية تصل جملتها السنوية خمسمائة دينار وتتحول إلى عملة تذكارية صغيرة ويتحول الدينار إلى عشرين خروبة . وكلها يتم توزيعها فى مناسبات رمضان .