أهم الأخباركتاب

الحواس الخمس بين العالم والشاعر … بقلم ريم معروف

عجائب الدنيا كما هو معروف سبع ودرجات السلم الموسيقي ثمان وأرواح القط تسعة، وأما الحواس المشهورة في الإنسان فخمس.

فالحواس هي أساليب الإدراك لدى الكائنات الحية تعمل على مساعدتها في التعرف على الأشياء وتصنيفها لإدراك ماهيتها، وهي نظام يتكون من مجموعة الخلايا الحسية التي تستجيب لأنواع محددة من الظواهر المادية وهذا يتطابق مع مجموعة معينة من المناطق داخل المخ القادرة على استقبال تلك المؤثرات وتفسيرها لإدراك معين.

تنقسم الحواس إلى قسمين:

الحواس العامة

الحواس الخاصة

فالحواس العامة: هي الحواس التي تنشر مستقبلاتها في جميع أنحاء الجسم ولا توجد مجتمعة في عضو واحد خاص بها وتقسم إلى:

الحواس السطحية مثل (الألم، الحرارة، البرودة).

الحواس العميقة وهي:

حس التوتر العضلي

الحس الحركي الوضعي

أما الحواس الخاصة: (الحواس الخمس التقليدية)

وهي الحواس التي يمتلكها الإنسان وهي بمثابة النوافذ الطبيعية بينه وبين العالم الخارجي التي تربط الوجود الخارجي بذهنية الإنسان، وهي البصر والسمع والشم والتذوق ويعود هذا التصنيف إلى أرسطو.

فالحواس الخمس هي وسيلتنا للتعرف على العالم المحيط بنا لكن الإحساس بالروعة موجود لدى كلا من العالم والشاعر.

فحاسة البصر عند العالم هي قدرة الدماغ والعين على كشف الموجة الكهرومغناطيسية للضوء لتفسير صورة الأفق المنظور، فالعين هي عضو الإبصار وتمثل الغرفة السوداء لآلة التصوير تستقبل الصور المرسلة إلى الدماغ عبر الأعصاب البصرية والشبكية وتحتوي على المستقبلات البصرية وألياف العصب البصري.

أما حاسة البصر عند الشاعر فيراها بشكل آخر.

فهذا ابن رزيق يستخدم نفس التعبير القرآني في سورة النجم الذي مدح به الله رسوله في ليلة الإسراء والمعراج «مازاغ البصر وما طغى» آية (16)، متغزلًا في محبوبته قائلًا:

إنَّني قلتُ لك الله وما

كذب القلبُ وما زاغ البصرْ

أيها البدر توارى إن لي

إنْ تواريت عن الطّرف قمرْ

زاغ: مال عن القصد وعن الطريق: عدل وفي منطقه: جار.

وهذا ابن زيدون قانع بلحظ البصر من محبوبته حتى يدوم الهوى قائلًا:

سأقنع منك بلحظ البصرْ

وأرضى بتسليمك المختصرْ

وأحذر من لحظات الرقيب

وقد يستدام الهوى بالحذرْ

فالسرائر لا يعلمها إلا الله وحده ولا تراها الأبصار كما يقول ابن علوي الحداد:

لله في خلقه سرائرٌ لا

تحصى ولا يهتدي لها البصرُ

وهذا أحمد العطار مستشهدًا بسيدنا يعقوب الذي ارتد له بصره بعد أن كفّ، يقول تعالى في سورة يوسف {فلما أن جاء البشير ألقاهُ على وجهه فارتدَّ بصيرًا} آية (95)، يقول:

 

بيوسف الذي به والده

ارتدَّ بصيرًا بعد أن كف البصر

وابن شيخان السالمي يعد زيارة محبوبته سريعه كلمح البصر:

فيا ليلة لم تطلْ ساعة

فما كنت إلاَّ كلمح البصرْ

وأما الحق عند أبومسلم العماني فأشعته غير مخفية:

أشعةُ الحق لا تخفى عن النّظر

وإنَّما خفيت عن فاقد البصرِ

السمع

هي قدرة الأذن على التقاط ترددات الموجات الصوتية المتنقلة عبر الهواء وإدراكها، وتتكون الأذن من ثلاثة أجزاء:

الأذن الخارجية: وتتألف من الصيوان والقناة السمعية الخارجية وهي تنتهي بغشاء الطبلة.

الأذن الوسطى: وهي فراغ يحتوي على عظيمات السمع المتصلة ببعضها البعض وبغشاء الطبلة وتوجد في جدارها الأمامي قناتين علوية وسفلية.

الأذن الداخلية: وتتألف من القوقعة والدهليز.

أما حاسة السمع عند الشعراء:

فابن الرومي يتغزل بمحبوبته فهي بستانه ونزهةً لسمعه وبصره يقول:

بستانُ أضحى الفؤاد من ولهٍ

يا نزهةً للسمع منه والبصر

وابن الخيمي لا تنظر عينه إلا لمحبوبته ولا تسمع أذنه إلا منها، يقول:

إنْ تنظرِ العينُ إلا أنتَ لا نظرتْ

وإنْ دعا السمعُ إلا منكَ ما سمعا

أما إبراهيم صادق فممدوحه أصبح ملء الأيام سمعًا وبصرًا يقول:

 

أبيك أجلُّ خلق الله

من بدوٍ ومن حضرِ

 

وقد أصبحت للأيا

مِ ملء السمع والبصرِ

وهذا ابن الحاج النميري يستخدم التعبير القرآني في سورة الجن {وإنَّا كنَّا نقعدُ منها مقاعد للسَّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} آية (8) فيقول:

والجنُ في الأفقِ قد عادتْ مقاعدها

للسَّمْعِ فالشُّهْبُ قبلَ السَّمْعِ تَرْميها

الشم

هي قدرة الأنف على تمييز الروائح المتنوعة عن طريق المستقبلات الموجودة في الغشاء المخاطي للجزء الأعلى من الحاجز بين المنخارين لتحدث تفاعلا كيميائيا يوصل للدماغ نوع تلك الرائحة، ويحتوي الأنف على الشعر لمنع دخول الأتربة والغبار.

ولابد لمعرفة رائحة مادة ما أن تذوب في الغشاء المائي المخاطي وبعد أن تمر إلى أطراف خلايا الإحساس، يتحتم أن تمسك الخلية بها وتحفظها لمدة جزء من الثانية.

و«المسك» من المواد التي تحس بها الأنف البشرية إحساسًا فائقًا ويتكون المسك في غدد الرائحة الشرجية في ذكر غزال المسك وهو حيوان جبلي صغير.

أما حاسة الشم عند الشعراء، فإبراهيم طوقان يرى أن كثرة الشم قد تضيع شذا الورد فيقول:

وردةٌ تبهرٌ العيون ولكنْ

كثرةُ الشَّمِ قد أضاعتْ شذاها

وابن الفارض يتغزل بمحبوته فأنفاسها طيبة الرائحة فلو كان في الغرب مصاب بالزكام لعادت له حاسة الشم فيقول:

ولو عبقتْ في الشرقِ أنفاسُ طيبها

وفي الغرب مزكومٌ لعاد له الشَّمُّ

أما إبراهيم الطباطبائي فيطلب من محبوبته ألا تبتعد عنه قائلًا:

لا تبعدنْ عن ناظري ومسمعي

وعن لساني وعن الشَّمِّ وعنِّ

التذوق

هي قدرة اللسان على تمييز الطعم والذوق للمواد المختلفة، فعند تمرير الأطعمة عبر الفم يستطيع اللسان تمييز تلك الأذواق المختلفة بواسطة براعم اللسان لتحدث تفاعلا كيميائيا من مستقبلات الدماغ لتصل الإشارات الحسية لأجزاء مختلفة منه، تستطيع من خلالها تمييز الطعم الحلو ومستقبلاته تكون على رأس اللسان، والمر على الظهر الخلفي للسان والحامض على أطراف اللسان أما المالح على الجزء الأمامي لسفح اللسان.

والذواقة المحترف لا يبتلع شيئًا من المادة التي يختبرها، بل يأخذ رشفة صغيرة ويدع لسانه يكشف عنها، وفي الوقت ذاته تصعد أي مركبات ذات رائحة عن طريق حلقه إلى الأنف حيث يتم تذوقها أيضًا والأمر الذي يهم الذواقة هو الأثر الكلي الذي يحس به.

أما حاسة التذوق عند الشعراء فهي مختلفة نوعًا ما، فليس اللسان هو من يذوق إنما الجفن لن يذوق النوم إلا بوصل المحبوبة عند إبراهيم طوقان:

سعادُ لا يهدأ هذا الفؤادْ

ولنْ يذوق الجفنُ حلو الرُّقادُ

ما لمْ تصافيني الهوى يا سعادْ

وحتى الحب يذاق عند أبوالشيص الخزاعي قائلًا:

وناعسٍ لو يذوقُ الحب ما نعسا

بلى عسى أن يرى طيفَ الحبيب عسى

أما عند إبراهيم يحيى العاملي فكل ظالم سوف يذوق الردى عند انتشار راية العدل:

وينشر فيها العدلُ رايتهُ التي

يذوق الردى في ظلها كل جائر

وهذا نعي ابن عبدالعزيز العجلي لأبي ليلى:

وحتى يذوق ابنُ الموفَّقِ حَتفهُ

ويشرقُ بدرٌ في دماء الأخادعِ

 

 

 

اللمس:

هي قدرة الأطراف على تمييز سمات الأشياء والتعرف على خصائصها، فعند ملامسة الأطراف لشيء ما يقوم الجلد بوظيفة الموصل للنهايات العصبية والتي تقوم بدورها بالاستجابة ونقل سمات المحسوسات إلى الدماغ لتفسيرها وإدراكها، فيميز الخشن عن الناعم والسطح الساخن عن البارد.

أما حاسة اللمس عند الشعراء، فحبيبة ابن القيسراني تنافس الخيزران:

تنافسُ الخيزران قامَتُهُ

لينًا ولونًا في اللمس والنَّظرِ

أما ابن الرومي يقول متغزلًا:

سلالة نورٍ ليس يُدركُهُ اللمسُ

إذا ما بدأ أغضى له البدرُ والشمسُ

ويقول المفتي فتح الله:

نبتَ العِذارُ على مُحيّا فاتني

نبتًا لطيفًا ناعمًا في اللمسِ

أما محمد وفا فاستخدم “ملموس، لامس، لمس، لمسة” يقول:

وفي لك ملموس ولمسٌ ولامسٌ

للمسِ اشتراك اللمس في كل لمسة

فالأمر مختلف عند الشاعر عبدالغني النابلسي، فهو يرى الحواس الخمس بمنظور آخر مستغفرًا ربه مما فعله بها قائلًا:

أستغفرُ اللهَ مما قد رأى بصري

في طول عمري ومما قد وعت أذني

أستغفرُ اللهَ مما قد نطقتُ به

من كل لفظ شريف في الورى ودني

أستغفرُ اللهَ مما قد شممتُ له

من الروائح في الخضراء والدمن

 

أستغفرُ اللهَ مما ذقته بفمي

مما أراه كريها أو أراه هني

أستغفرُ اللهَ من كفي وما وضعت

عليه من ناعم في اللمس أو خشنِ

فبعد دراسة تلك الحواس ندرك بأن لها مدى محدود، وعلى الرغم من أجهزتها المعقدة فهي محدودة بحدود وبقدرات معينة لا يمكن تجاوزها.

إعداد : ريم محمود معروف

باحثة أدبية

 

 

المراجع

1.    الحواس في الإنسان والحيوان، تأليف لورس مليني ومارجري مليني، ترجمة د. ثابت قصبجي، مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، بيروت، نيويورك 1966م.

2.    علم وظائف الأعضاء، تأليف د. رمزي الناجي ود. عصام الصفدي، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط 2005م.

3.    الموسوعة الحرة ويكيبيديا.

4.    الموسوعة الشعرية (CD)، المجمع الثقافي، أبوظبي – الإصدار الثالث.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى