أهم الأخبارالأسبوعية

ا ” الحب والشعور بالذنب ” … بقلم د.يونان وليم

الكراهية متداخلة مع نسيج الحب فأنت حينما تحب شخصاً تحمل له بعض الكراهية إما لأنك تكره بعض صفاته أو أنك تكره إرتباطك وتعلقك به إرتباطاً يسلبك حريتك وإستقلالك عنه ..
تكره ضعفك الذى يجعلك لا تستطيع أن تستغنى عنه أو أن تبتعد عنه بعيداً ..
تكره العبودية فى شخصه رغم أنه قد لا يكون فى نيته ذلك ..
تكره أحياناً حبك له إذا لم يبادلك نفس القدر من الحب فتضطر إلى كُرهه أو حتى كُره الحب ذاته ..
هناك ما يعرف بصفقات الحب فهناك من يحبنا لانه ينتظر منا شيئاً بعد أن يناله سوف يشعر بالرضا عنا ؛ وهناك من له نقدم له حباً عظيماً ولا يعطينا شيئاً فى المقابل سوى التبكيت والألم ..
حب الطرف الواحد هو أشد أنواع الحب ألماً تدنو درجة ألمه من ألم الخيانة ..
الحب المشروط هو ثانى أقسى انواع الحب ألماً لأن داومه مرتبط بدوام العطاء واستمرار الحاجة ؛ حب مرتبط بعقاب المقصر الذى أخل بأهم بنود الصفقة وهو عطاءه المستمر بلا توقف أو تذمر ..
الحب أحياناً يكون أكثر إيلاما من الكره ؛ فكم من مجروح بسبب الحب أكثر من جرحى الكراهية والبغضة ..

والأمر فى النهاية يشبه حب الخير الذى يحمل فى طياته كره صارخ لكل ما هو شر أو كسر لوصايا ..
نسيج مختلط لحب وكراهية فى آن واحد ..
شعور ثنائى مختلط لمتناقضين يسيران معاً فى الإتجاه ذاته ..
وهذا ما يعرف ب “الثنائية الوجدانية”
وإذا فقدت هذا الانسان _محور الصراع _تثور لديك أحاسيس بالذنب وتشعر أن كراهيتك هى المسئولة عن فقده فيداهمك شعور بالتقصير والإهمال المتعمد لأنك قد ساهمت فى فقده فتصبح وقتها على وشك الإنهيار ولهذا فأنت فى حاجة إلى عقاب موازى لشعور الذنب الناتج ؛ والعقاب غالباً ما يكون فى صورة آلام جسدية تتجلى فى شكل أرق شديد وقلة نوم أو آلام بالمعدة أو القولون أو صداع شديد الحدة أو خذلان وضعف أو حتى شلل فى طرف أو عدة أطراف حتى تعيد النفس توازنها وسلامها الداخلى ..
هذا هو العقاب المريح للنفس الذى لا يتحقق إلا بإيلام الجسد ..

الألم مرتبط بالعقاب ؛ والعقاب يصيب المخطئ والمخطئ إنسان سئ عليه أن يشعر بالذنب طوال الوقت على ما اقترفه وإلا جعلوه يشعر بخزى البرود واللامبالاة لذا وجب عليه أن يسعى بنفسه للعقاب إذا كان يسعى للعفو والمغفرة فيعود بعدها الى مكانته الأولى بالقرب من أحبائه الذين أقصوه عنهم وفرضوا عليه هذا العقاب ..
هذا بالضبط ما نفعله مع أحبائنا ونغرسه بكل قسوة فى أطفالنا دون أن ندرك خطورته على نفوسهم الرقيقة التى تقبل منا كل شئ وتصدق كل شئ وتثق ثقة عمياء فيمن يرونهم أعظم أحباء ..
نشعرهم بالذنب طوال الوقت لأنهم لم يصنعوا ما أمرناهم أو أوصيناهم بفعله ونغضب ونثور ثم نعاقب ونؤلم بينما نفرح ونتهلل إذا أطاعوا بلا تفكير ليصبحون فى النهاية صوراً متنوعة من عبد مطيع لا يفكر أو يعرف للإبداع طريقاً ..

يتحول المتألم بالشعور الذنب إلى شخص جريح ويائس طوال الوقت يشكو همومه وبؤسه للآخرين طمعاً فى تعاطف أو شفقة ..
بالطبع تختلف درجات التحمل من إنسان لآخر لكن هناك درجة معينة عندها ينهار الإنسان وتخور قواه مهما بلغت قوته ؛ ينهار تحت وطأة العذاب فيستسلم لمزيد من الألم والضغط النفسى..
ما أخطر أن يتحول الحب الجميل الرقيق إلى شر إمتلاك وخذلان لأننا عندها سوف نكفر بالحب ونضعه فى خانة المشاعر البغيضة ..

الحب أحياناً فيه نوع من العقاب ؛ أنا أحبك فأنا أمتلكك ؛ كل شئ فيك ملكى ؛ فى الزواج جسدك ملكى ؛ مشاعرك ملكى ؛ حتى عقلك ملكى ؛ لا مجال لحرية أو إختيار دون رجوع إلى الشريك الآخر الذى صار مرجعية كل شئ لديه ؛ فيتسلل خلسةٍ شعورين متناقضين أحدهما رغبة التمردد والآخر شعور بالذنب ..

الشعور بالذنب عقاب نفسى مؤلم يجعلنا نشعر بالخزى والعار لأنه يعيد إلينا مشاعر الطفل الذى لا يحتمل أى نوع من الألم فيصرخ ويتلوى طالباً الرحمة ممن حوله ؛ فيزيد الضيق وتتسع دائرة الجُرح النفسى ..

الشعور بالذنب شعور قاتل ولا يمكن أن يزول إلا إذا عاقب الإنسان نفسه حتى يشعر ببعض السلام والرضا عن الذات ..

فى الحقيقة لا يوجد من هو أقسى على الإنسان من نفسه ؛ ولا توجد مخلوقات تعانى صراعات نفسية على نفس درجة القسوة كما يعانى الإنسان ..
العلاقات الإنسانية معقدة جداً ؛ ومن الصعب أحياناً تمييز الصواب من الخطأ فى ركن من أركانها ؛ فيظل الإنسان حائراً ما بين الإستقلالية والرغبة فى التحرر التى تنشب فيه نيران الشعور بالذنب وبين الإستمرار فى علاقة مؤذية تزيد من ألمه وشعوره بالعقاب على ذنب لم يقترف منه شئ سوى ما قدمه من مشاعر نبيلة ..

نحب فنخطئ لأننا لابد أن نخطئ حتى نتعلم فنحن بشراً ولسنا بملائكة لذا علينا أن نصلح من أخطائنا كى لا نصير شياطيناً  ..
Forgive yourself even you did unforgivable thing ..
لقد سمعت تلك العبارة العميقة فى أحد الأفلام الأجنبية ولم أستطع تجاوزها بسهولة ؛ فهى تحمل معنى عميق بحق عن مسامحة الذات والتخلص من وطأة الشعور بالذنب المؤلم مهما بلغت حدة هذا الخطأ ..سامح نفسك ولا تقهرها؛ عاملها كطفل جاهل أخطأ ليس من الحب أو حتى من الإنسانية أن تقتله أو تحطم معنوياته ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى