أهم الأخبارتقارير

تقرير :التعليم الحكومي العربي على مسار الانهيار ومحدودي الدخل أول المتضررين

74 مليون شباب عربي يواجهون مصير مقلقاً بسبب جودة التعليم الحكومي

74 مليون شباب عربي يواجهون مصير مقلقاً بسبب جودة التعليم الحكومي

تراجع جودة التعليم الحكومي العربي يقود الى مخاطر مقلقة

22 مليون عربي من أصحاب الشهادات يواجهون مصير البطالة

استمرار تعويل دول الخليج على اليد العاملة الماهرة غير المحلية رغم ارتفاع بطالة شبابها

توقعات بزيادة بطالة أصحاب الدخل المحدود وسكان الأرياف بسبب تردي جودة التعليم الحكومي

تراجع اكتساب المهارات في مختلف المراحل التعليمية في المؤسسات الحكومية يدفع لزيادة ظاهرة بطالة أصحاب الشهادات

إحباط متزايد لدى الشباب من تدني جودة التعليم العالي

تفوق الدول العربية على الدول المتقدمة لأول مرة في الانفاق على التعليم

زيادة الانقطاع المبكر عن التعليم بسبب زيادة الاعتقاد بمحدودية جدواه
نحو أكثر من 74 مليون عربي أغلبهم من فئة الشباب والمراهقين قد يجدون أنفسهم بلا عمل في الخمس سنوات المقبلة، ونحو أكثر من 30 في المئة منهم[1] يرجح أنهم من أصحاب الشهادات العليا وبصفة خاصة في بعض الدول العربية المنخفضة الدخل، أي ما يعادل نحو 22 مليون شابة وشاب عربي سيواجهون إشكاليات البطالة. وقد أثرت عوامل تردي جودة التعليم الحكومي ومحدودية مواكبته لاتجاهات سوق العمل وتدني قدرته على تطوير المهارات في زيادة صعوبات المتعلمين سواء في إيجاد فرص عمل في الأسواق المحلية أو الخارج فضلاً عن محدودية قدرة الخريجين الجدد على الاستقرار في وظائفهم. علاوة عن رصد زيادة المقبلين على وظائف لا تعكس تحصيلهم العلمي. وعادة ما تكون مثل هذه الوظائف وقتية وغير مستقرة وتدفع مجددا بعودة الكثيرين الى دائرة البطالة. ويمثل توقع زيادة بطالة أصحاب الشهادات والمتعلمين، من فئة محدودي الدخل بصفة خاصة، قلقاً ملحاً قد يتحول الى خطر اضطرابات قد تؤثر على الحكومات سياسياً واقتصادياً على المدى القريب.

وحسب دراسة أعدها مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتدني الحاد لجودة التعليم الحكومي اعتمادا على احصائيات رسمية واستطلاعات جزئية، فان نحو أكثر من 52 مليون عربي من فئة الشباب[2] يعانون مشكلة البطالة اليوم، ينضاف إليهم أكثر من 22 مليونا[3] من شباب تحت سن 15 عشر أو اقل انقطعوا مبكرا عن التعليم ومن المرجح أن يبحثوا عن عمل في المستقبل القريب.

وقد تخطى متوسط البطالة في الدول العربية منخفضة الدخل عتبة 30 في المئة[4]، في حين استقر عند 4 في المئة[5] عند الدول المرتفعة الدخل مثل الدول الخليجية، وما يثير قلق الحكومات هو تسارع معدل البطالة في دول الربيع العربي وخصوصاً بين الشباب، حيث تسجل بعض البلدان مثل اليمن ومصر وسوريا وتونس والسودان معدلات أكثر من 40 في المئة[6].

وان لم تتوفر بيانات شاملة عن الشباب غير الملتحقين بالتعليم أو التوظيف أو التدريب، الا أن الاحصائيات المتوفرة مقلقة للغاية، وتقدم مؤشراً على نمو حجم المشكلة التي تتضخم بسبب زيادة محدودية مهارات الخريجين خصوصا من التعليم الحكومي. ففي عام 2015، قدر البنك الدولي حجم بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا في السعودية بنحو 16.1 في المئة، و21.2 في المئة في الجزائر، و27.6 في المئة في مصر، و44.8 في اليمن.

وقد أظهرت الدراسة نقص الفرص القائمة على الكفاءة، في حين زادت الفروق بين معدلات بطالة الشباب حسب مستوى التعليم، وهو ما يعكس أيضًا عدم التوافق بين المهارات ومجالات التعليم واحتياجات سوق العمل.

وقد ارتفع معدل بطالة الشباب في المنطقة العربية من 23.4 في المئة في عام 2010 الى أكثر من 27 في المئة في 2017[7]. وقد تجاوز معدل بطالة الشباب 30 في المئة في عدد من الدول المغاربية وغيرها من دول الربيع العربي كسوريا واليمن ومصر، وتخطى عتبة 40 في المئة في دول عربية أخرى مثل الاردن والضفة الغربية وغزة، وهو ما قد يثير مخاطر بزيادة المطالب الاجتماعية والتي ان لم تعالجها الحكومات بسرعة فان قد تولد توترات سياسية واقتصادية تؤثر على أداء واستقرار الحكومات على المدى القريب. وما يدعو الى رفع درجة القلق هو زيادة أعباء مديونيات الحكومات العربية التي قد تؤثر سلبا على تراجع دور القطاع العام في خلق فرص وظيفية. اذ يظل القطاع العام هو صاحب العمل الأكبر في العديد من الدول العربية، حيث يستقطب من 60 إلى 80 في المئة من إجمالي العمالة الرسمية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن وتونس[8].

وتعتبر منظمة العمل الدولية أن بطالة الشباب في العالم العربي كانت الدافع الرئيسي للتمرد والاحتجاجات التي حدثت في المنطقة العربية في 2011. وكانت “العمل الدولية” حافظت على توقعاتها بشأن استمرار ارتفاع معدل البطالة الى عام 2020. حيث ينضاف سنوياً أكثر من 5 ملايين عربي الى قوائم الباحثين الجدد عن عمل أو في قوائم العاطلين المنتظرين لفرص وظيفية تتعثر زيادة توفيرها بسبب بطء نمو اغلب الاقتصادات العربية وخصوصا في شمال أفريقيا.

إحباط متزايد لدى الشباب من تدني جودة التعليم العالي

نظرا لاعتماد أغلب الطلبة العرب في دول محدودة الدخل على التعليم الحكومي، أدى تراجع اكتساب المهارات في مختلف المراحل التعليمية في المؤسسات الحكومية الى زيادة ظاهرة بطالة أصحاب الشهادات حيث تعتبر البطالة بين الشباب مرتفعة للغاية، ولا سيما في شمال إفريقيا، اذ تجاوزت مستويات بطالة الشباب في مصر وتونس معدلات 30 في المئة[9]، وخصوصاً من فئة خريجي التعليم العالي الحكومي. في حين تقل هذه النسبة في الدول العربية ذات الدخل المرتفع كبلدان الخليج العربي. كما ترتبط زيادة الفقر المدقع في بعض دول العالم العربي خصوصا شمال افريقيا بتقلص الإنتاجية بسبب زيادة البطالة المرتفعة المرتبطة بالتعليم المتدني[10] غير المحفز للابتكار ومبادرات إطلاق مشاريع مبدعة وقائمة على الذكاء.

ويعكس تردي جودة التعليم الحكومي جزئياً الإحباط المتزايد لدى الشباب من قيمة التعليم العالي بصفة خاصة وسط وفرة الخريجين العاطلين عن العمل. وتصف منظمات دولية بشكل عام، جودة التعليم الحكومي العربي بأنها رديئة. فالاختبارات الدولية المعيارية في التعليم مثل اتجاهات دراسة الرياضيات والعلوم وبرنامج تقييم الطلاب الدوليين تُظهر الدول العربية أقل بكثير من المتوسط حتى لو تم تعديل النتائج حسب نصيب الفرد من الدخل، خاصة في دول الخليج ذات الدخل المرتفع. وتعتبر المهارات المحدودة بين القوى العاملة مؤشراً آخر على ضعف الرأس المال البشري وتسلط الضوء على عدم التوافق بين العرض والطلب في سوق العمل[11]. ففي مصر، تم تسجيل أكثر من 34 في المئة من خريجي الجامعات وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل في عام 2014 حسب تقرير لمجلة “ايكونوميست”. وفي كثير من أنحاء المنطقة العربية، تميل معدلات البطالة إلى الارتفاع بين الأشخاص الحاصلين على تعليم ثانوي وأكثر. وهذا ما يعزز الشعور العميق بخيبة الأمل والإحباط بين الشباب المتعلم[12] ويدفع العديد منهم الى مواجهة بحث يائس عن العمل في الداخل أو في الخارج، ما يدفع الى زيادة الاقبال على الهجرة[13]. حيث تم تسجيل حركات هجرة قدرت بنحو 11 مليون عربي حسب منظمة العمل الدولية في 2013 وكانت بدافع اللجوء من مناطق النزاعات، ويصنف البحث عن عمل والحياة الآمنة أهم غايات حركات اللجوء والهجرة الى اليوم. لكن يصدم الكثيرون من المهاجرين بعائق تدني تحصيلهم العلمي او محدودية جودة مهاراتهم التعليمية. ما يضطر جزء كبير من المهاجرين العرب في أسواق عمل الدول المتقدمة بصفة خاصة الى مزاولة وظائف متدنية المهارة ما ينعكس سلباً على استقرارهم الوظيفي وتدني دخلهم والذي تترجم في تباطء نمو التحويلات المالية للمغتربين العرب في العالم رغم تسارع وتيرة الهجرة العربية السنوية. حيث نمت التحويلات المالية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 9 في المئة إلى 62 مليار دولار في 2018. ومن المتوقع أن يتواصل نمو التحويلات المالية إلى المنطقة العربية بوتيرة أبطأ تبلغ نحو 3 في المئة في 2019[14].

وقد شهدت الهجرة العربية من اجل العمل أرقاما قياسية خصوصاً في عام 2015 مدفوعة أساساً بزيادة نمو ظاهرة لجوء ملايين من العرب في دول الربيع العربي أو الدول التي تشهد نزاعات نحو وجهات أهمهما الدول الأوروبية وكندا والولايات المتحدة. وبلغ عدد اللاجئين بين سوريا والعراق واليمن في 2015 نحو 8.8 مليون[15] استقطبت دول متقدمة كثيرة نسبة كبيرة منهم. وتواجه نسبة كبيرة من المهاجرين من ذوي التعليم المحدود أو التعليم ذات الكفاءة المتدنية صعوبات في الحصول على عمل يوفر دخلاً متوسط أو مرتفع، حيث باتت الفرص الوظيفية في أسواق العمل في الدول المتقدمة مرتبطة بمدى المهارات التعليمية المكتسبة والقدرة على الابتكار والابداع[16].

توقعات سلبية حول تحسن جودة التعليم وفرص العمل رغم تعزز الانفاق الحكومي

سجلت مساع حكومية عربية جادة من أجل دعم الانفاق على التعليم. اذ تفوقت الدول العربية النامية على الدول المتقدمة في الانفاق الحكومي على التعليم ويعد هذا التفوق غير مسبوق في المقارنة بين العالم العربي النامي والعالم المتقدم. فبينما كانت الدول العربية تنفق على التعليم والصحة أقل مما تنفقه الدول المتقدمة خلال العقد الماضي، تغير مسار الانفاق على التعليم خصوصا ليترفع عند الدول العربية من أجل تلبية احتياجات تعليمة متنامية، في مقابل انخفاضه لدى الدول المتقدمة بفضل اتساع حصة التعليم الخاص في هذه الدول ونضج العملية التعليمية وتعزز البنية التحتية وأيضا بسبب تراجع المسجلين مدفوعا بانخفاض النمو الديمغرافي.

ففي حين زاد إنفاق الدول العربية على خدمات التعليم الى نحو متوسط 4 في المئة[17] من اجمالي الدخل القومي، تراجع في المقابل إنفاق الدول المتقدمة على التعليم (مرحلة ما قبل الجامعة بصفة خاصة) الى نحو متوسط بين 3 الى 3.5 في المئة[18] من اجمالي الدخل القومي. ويفسر تراجع العالم المتقدم وبصفة خاصة (الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ) في الانفاق الحكومي على التعليم بزيادة نضج القطاع التعليمي في هذه الدول مع زيادة دور القطاع الخاص في العملية التعليمية، فضلاً عن انفتاح المؤسسات التعليمية الحكومية في الدول المتقدمة على زيادة الخصخصة واقامة شراكات مع القطاع الخاص في ادارة هذه المؤسسات، الأمر الذي قلص من عبء إنفاق الدول المتقدمة على التعليم، وحول هذه المؤسسات الى كيانات ربحية ومقدمة لتعليم ذات تنافسية وجودة ومرتبط أكثر بالسوق الوظيفية.

لكن ورغم مساعي الإصلاح واتجاهات دعم الانفاق لدى بعض الدول، يتجه قطاع التعليم الحكومي في عدد من أقطار العالم العربي المنخفضة الدخل نحو مراحل من التدهور تتوضح ملامحها بداية من عام 2020. فبسبب الأزمات الاقتصادية الحادة والتوترات السياسية والنزاعات وعدم الاستقرار، ارتفعت مديونيات عدد كبير من الدول العربية. ومن المرجح أن عبء المديونيات سيضغط سلباً على قطاعات حيوية كثيرة أبرزها التوظيف، وقطاع التعليم الحكومي الذي يواجه تحد غير مسبوق يهدد بانهيار جودته. ويمثل عبء المديونيات في عدد من الدول العربية ضغطاً كبيرا قد يقلّل من الموارد التي توجَّه للإنفاق على التعليم وتحسين جودته.

ورغم تحسن نسبة إنفاق الحكومات العربية على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي من 3.8 في المئة في 2014 حسب شركة “اديوير” إلى نحو 4 في المئة بفضل زيادة تخصيص عدد من الدول لميزانيات أكبر للتعليم، فان نتائج أغلب هذه الاستثمارات قد تكون ذهبت سدى. اذ برزت محدودية ادارة توجيه هذه الموارد وتركيزها على بناء مؤسسات تعليمية جديدة تستوعب زيادة نمو المقبلين على التعليم أكثر من تلك الموجهة لرفع مستويات جودة التعليم وإصلاح المنظومة التعليمية برمتها خصوصا في دول شمال أفريقيا. لكن وتسارعت مستويات الاستثمار في رفع جودة التعليم في دول عربية أخرى ذات دخل مرتفع كبلدان الخليج، يبقى تحد تقليص البطالة من أهم القضايا الأساسية الاجتماعية في ظل استمرار الحكومات والشركات الخليجية في التعويل على اليد العاملة الماهرة غير المحلية.

استمرار تعويل دول الخليج على اليد العاملة الماهرة غير المحلية رغم ارتفاع بطالة شبابها

من بين أبرز مؤشرات تبعات تدني جودة التعليم وانهيار المنظومة التعليمة التقليدية والكلاسيكية التي تعتمدها أغلب المؤسسات التعليمية الحكومية في العالم العربي والتي تصنف بارتباطها المحدود نسبياً بسوق العمل، زاد تعويل مؤسسات القطاع الخاص والعام في عدد من الدول العربية على كفاءات أجنبية على حساب اليد العاملة المحلية، حيث استمر تدفق اليد العاملة الأجنبية من أصحاب المهارات والمهارات المتوسطة والمنخفضة الى دول الخليج بالدرجة الأولى. وبدافع انجاح خططها التنموية القائمة على الاستثمارات في الذكاء والتكنولوجيا، من المتوقع أن يزيد الطلب على العمال المهاجرين من ذوي المهارات في القطاع الخاص بدول مجلس التعاون الخليجي على المدى القصير[19]. ورغم التقدم في سياسات تشجيع توطين الوظائف في مجمل دول الخليج لا يبدو أن الحكومات أو المؤسسات يمكنها الاستغناء في المدى القريب عن طلب الكفاءات الأجنبية رغم استمرار زيادة نسب البطالة بين خريجي مواطنيها من الجامعات الخليجية.

كما أن الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للدول العربية الأخرى وخصوصاً الواقعة في شمال أفريقيا، حيث ماتزال أسواقها تجتذب الكفاءات الأجنبية وان بنسب أقل بكثير من دول الخليج في مقابل تسارع وتيرة البطالة بين شبابها وبصفة خاصة حاملي الشهادات الجامعية. وهذا ما ينبئ بوجود أزمة حقيقية تعاني منها أسواق العمل في العالم العربي وهي تدني المهارات والكفاءات بسبب محدودية جودة التعليم والتي ان استمرت على نفس الوتيرة فقد تتسبب في انهيار قيمة المؤهلات العلمية التي يضطر الكثيرون لمعادلتها من أجل الالتحاق بأسواق العمل خصوصاً في الدول المتقدمة.

كما تبرز تحديات كبيرة متصاعدة قد تتسبب في انهيار جودة التعليم الحكومي في عدد من الدول وبصفة خاصة ذات الدخل المحدود وهي زيادة نمو هجرة المعلمين والأساتذة من أصحاب الكفاءات الى أسواق عمل جاذبة وبأجور تنافسية. ويبرز هذا المثال خصوصا في مصر ودول المغرب العربي والأردن[20].

زيادة الانقطاع المبكر عن التعليم بسبب زيادة الاعتقاد بمحدودية جدواه

يسهم بطء عملية الإصلاح في النظم التعليمية وانتشار الفساد الإداري[21] وعدم المساواة في الفرص الوظيفية في عدد من الدول العربية في زيادة انتشار ثقافة الاحباط من جدوى التعليم في المؤسسات الحكومية، ولعل أبرز مؤشرات تداعيات ذلك زيادة نسبة الخروج المبكر من التعليم أو الانقطاع عن الاستمرار في المراحل الجامعية[22] بمبرر محدودية نجاعة كفاءة التعليم ونقص جدواه التوظيفية. وتتجه أعداد كبيرة سنوياً من المنقطعين عن التعليم في استبدال الدراسة بالبحث عن خيارات أخرى تسهل سرعة التوظيف خصوصاً بالنسبة لفئة محدودي الدخل.

ويوجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يناهز أكثر من 22 مليون طفل ومراهق إما خارج المدرسة أو معرضون لخطر الخروج المبكر من التعليم حسب منظمة (يونيسف)[23]. وقد مثل تردي الأوضاع الاقتصادية في بعض الدول خصوصا دول الربيع العربي دافعا لنمو ظاهرة الانقطاع المبكر عن التعليم بسبب زيادة الاعتقاد بعدم جودته وجدواه في الحصول على مهارات تمكن من سلاسة اللحاق بسوق العمل. وتم إحصاء نحو 100 ألف[24] من الطلبة المنقطعين عن التعليم في تونس في 2012 وكذلك في 2015. وهو ما يمثل مصدر قلق جدي. لكن هذه الظاهرة أكثر قلقا في دول أخرى مثل مصر وسوريا واليمن والسودان وليبيا وفلسطين. ففي مصر على سبيل المثال عقب 2012 والتي صاحبتها اضطرابات سياسية تركت تداعيات اقتصادية واجتماعية، بلغ معدل الانقطاع عن الدراسة في المراحل الأولى خصوصا مرحلة قبل الثانوية الى نحو متوسط 18 في المئة[25] من اجمالي المسجلين سنويا. لكن تزيد نسبة الانقطاع المبكر عن التعليم في الأرياف أكثر منها في المناطق الحضرية. كما أن نسبة الانقطاع عن التعليم في المراحل الجامعية ما تزال مقلقة.

ونظرا لأهمية ظاهرة الانقطاع المبكر عن التعليم الحكومي، تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى جودة المدرسة إلى تحسين كبير. اذ يشير تزايد المدارس والجامعات الخاصة وكذلك الاعتماد المتكرر على الدروس الخصوصية إلى أن جودة المدارس الحكومية منخفضة بالإضافة الى زيادة مؤشرات عدم المساواة في فرص التعليم ونتائجه، حيث ماتزال ظروف التعليم خصوصا في مناطق الأرياف طاردة مع استمرار الاكتظاظ ونقص كفاءة هيئات الدريس وصعوبة التنقل لدى البعض بسبب نقص البنية التحتية لوسائل المواصلات وتبرز هذه المشاكل في دول شمال افريقيا بصفة خاصة.

توقعات بزيادة بطالة ذوي الدخل المحدود وسكان الأرياف بسبب تدني جودة التعليم

في منطقة بها أعلى معدل بطالة في العالم بين الشباب، يشعر الملايين بالإحباط من قلة فرص العمل وخصوصا أصحاب الدخل المحدود وسكان الارياف. هذا الإحباط عززته زيادة بطالة خريجي التعليم الحكومي في أغلب الدول العربية مقارنة بتقلص بطالة أصحاب المهن وخريجي مؤسسات التعليم والتدريب الخاصة. اذ غالبًا ما يصنف خريجو التعليم الحكومي بمحدودية جودة تعليمهم ومهاراتهم ونقص تأهيلهم لسوق العمل. وتسبب محدودية جودة التعليم الحكومي مخاطر اقتصادية واجتماعية خطيرة ومتنامية ومتفاوتة بين دول العالم العربي[26]، حيث أن أكثر من ربع الشباب العربي اليوم عاطلون عن العمل حسب تقديرات المنظمات الدولية. ومن المتوقع أن يرتفع عدد العاطلين من ذوي الدخل المحدود وفي المناطق الريفية خلال الخمس سنوات المقبلة خصوصاً في دول شمال أفريقيا، وهو ما قد يتسبب في زيادة اتساع رقعة الفقر وتسارع موجات الهجرة غير الشرعية. وقد تؤدي زيادة حالات الإحباط والبؤس بين الشباب الى ازدياد مظاهر ردود فعل اجتماعية عنيفة قد يكون التطرف والفوضى والاضطرابات احدى أهم مؤشراتها الخطيرة على المدى القريب والمتوسط. يذكر أن وضع التعليم ذي الجودة المتدنية وغير المرتبط بسوق العمل في العالم العربي أحد الدوافع المؤججة لاشتعال ثورات الربيع العربي التي شارك فيها الطلاب في 2011[27].

وقد تم رصد زيادة فجوة بين شرائح المجتمعات العربية على مستوى اكتساب جودة التعليم. اذ باتت نسب هامة من ذوي أصحاب الدخل المرتفع لديهم القدرة أكثر من غيرهم على الاقبال خيارات التعليم او التكوين الخاص الذي أصبح يوفر جودة تنافسية مقارنة بجودة التعليم الحكومي المتدهورة كما يقدم فرصا وظيفية أكبر لسرعة مواكبته لمتطلبات سوق العمل أكثر من قطاع التعليم الحكومي. في حين تعاني نسبة كبيرة منذ ذوي الدخل المحدود من تدني مستويات التعليم في المؤسسات الحكومية بسبب البنية التحتية التعليمية المتردية خصوصاً في مرحلة التعليم الابتدائي والثانوي في المناطق الريفية[28]. وهو ما يدفع لزيادة توقع بطالة الشباب في هذه المناطق.

وقد ارتفعت نسبة الهوة بين كفاءة تعليم طلبة المدن وطلبة الأرياف. حيث تؤثر البنية التحتية التعليمية المحدودة في مغلب المناطق الريفية في العالم العربي على جودة تعليم الطلبة خصوصا في المراحل الابتدائية والثانوية، وكذلك يؤثر سلبا تدني تعليم الأسر الريفية في تحفيز تحسين جودة تعليم أبنائها، وعلى النقيض تسهم الفئات السكانية المتركزة في المناطق الحضرية والتي يكون أرباب الأسر فيها متعلمين في تعزيز تكوين أبنائها العلمي ودعم تحسين جودة تعليمها.

ونظرا لأهمية ظاهرة الانقطاع المبكر عن التعليم الحكومي، تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى جودة المدرسة إلى تحسين كبير. اذ يشير تزايد المدارس والجامعات الخاصة وكذلك الاعتماد المتكرر على الدروس الخصوصية إلى أن جودة المدارس الحكومية منخفضة بالإضافة الى زيادة مؤشرات عدم المساواة في فرص التعليم ونتائجه، حيث ماتزال ظروف التعليم خصوصا في مناطق الأرياف[29] طاردة مع استمرار الاكتظاظ ونقص كفاءة هيئات الدريس وصعوبة التنقل لدى البعض بسبب نقص البنية التحتية لوسائل المواصلات وتبرز هذه المشاكل في دول شمال افريقيا بصفة خاصة.

تأثير تدني جودة التعليم على تقلص المهارات الوظيفية

يشير تقرير Brookings إلى أن 56 في المئة من طلاب التعليم الابتدائي العربي و48 في المئة من تلاميذ المرحلة الثانوية لا يتعلمون المهارات الأساسية في المدرسة. وهذا يكشف عن سبب مهم وراء معدلات التسرب في المدارس الثانوية. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن هناك الكثير من الاهتمام بطرق الاحتفاظ بالطلاب الحاليين وإشراك الطلاب غير الملتحقين حاليًا بالمدارس، أو ضمان توفير مرافق تعليمية مناسبة لملايين اللاجئين والأطفال والشباب العرب المشردين[30].

رويترز

وتدعو العديد من التقارير إلى إصلاح شامل للنظام التعليمي الحكومي في العالم العربي وتحديث المدارس. ولا شك أن إنكار وجود مشاكل كبيرة يؤدي فقط إلى تفاقمها. على سبيل المثال، يعد التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة مهملاً في العديد من الدول العربية على الرغم من جهود حكومية قوية لإيلاء التعليم في السنوات الأولى أهمية كبيرة. كما تضاف إشكالية محدودية مؤهلات المعلمين وتدريبهم، وتحديات تحسين مهاراتهم وتطويرهم المهني. علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى الاعتراف بأهمية الاستثمار في رفع وعي الأسر باعتبارها جهات فاعلة رئيسية في تعليم الأطفال. في الواقع، المطلوب هو شراكة حقيقية بين المدارس والأسر. كما يجب أن يتصدى التعليم الحكومي العربي لنقص الاستثمار الكلي في البيئة المدرسية، وهو ما من شأنه أن يتيح للأطفال الشعور بالأمان في المدرسة.

وحسب تقييم القطاع التعليمي في العالم العربي، فان هناك بعض الإنجازات قد تحققت، لكن التحديات كبيرة ونتائج جهود تحسين جودة التعليم تبدو غير دقيقة ومضللة. فعلى سبيل المثال، تشير تقارير من صندوق الأمم المتحدة الدولي للطوارئ للأطفال (UNICEF)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وغيرها إلى صورة قاتمة عند مقارنة التعليم الحكومي في العالم العربي ببقية العالم[31].

توصيات:

يجدر على القطاع التعليمي سواء الحكومي أو الخاص في العالم العربي تطوير المهارات الفردية للطلبة. وهذا لن يحدث الا بتغيير مهمة مؤسسات التعليم الحكومي من مرحلة التعليم الكمي أي استيعاب أكثر عدد ممكن من الطلبة وتقديم المعلومة بشكل تلقيني، الى الوصول الى هدف ترسيخ قواعد نظم التعليم النوعي المركز على المهارات وصقل قدرات الطالب منذ المراحل الأولى وتأهيله للنجاح في مهامه المختلفة التي تستجيب لتطلعات ومتغيرات سوق العمل.
المصدر: قسم الأبحاث في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى