أهم الأخبارثقافة و فن

قصصٌ قصيرةٌ جداً-1…للشاعرة خولة سامى سليقة

مرضٌ نادر

 

خمسة و أربعون عاماً سابقت بعضها بعضا بعنادٍ، و فازت الخيبة بجدارة، لكنها لم تقلق خلالها كما يقلقها مرضُ والدها الغريب؛ لا يملّ يتوسّم الخير في الكثيرين، يطرح بدائل لكلّ معضلة، يحتاج حلها نوعاً خاصاً من البشر يدعونهم الأصدقاء الحقيقيين، أتراه يتعمّد السذاجة المطلقة ليُبقي على الخير حياً داخلها؟ أم أنّه يائس حدّ الوهم؟

تُضاء الشاشة مع طنين متواصل، تُظهر عبارة ( بابا حبيبي). تباغته بردّ جاهز قبل أن تسمع شيئاً:

تخيّل يا أبي، كما تنبأتَ أنت تماماً. حُلّت المشكلة بلا خسائر بفضل رئيسي في العمل و مجموعة من الزملاء الأوفياء.

تمسح ماءً أغرق الخطوط تحت عينيها، تبتلعُ نشيجها و تشكرُ خطوط الهاتف الردئية جداً.

………………

الإمبراطور ثانية

برزت أنيابه في الآونة الأخيرة بصورة مرعبةٍ، و صار يستيقظ كل صباحٍ ليجد فمه ملطخاً بالدم دون أسباب واضحة، الجميع شهد أنه لا يغادر سريره، لا يخرج من القصر.  لابد من حلّ.

اليوم في سيارته الفارهة يعبر الشوارع المزيّنة، يلوّح للشعب الذي لا يستطيع رؤيته بوضوح، يطمئنهم أنه عاد بعد جراحة ناجحة -وفق الإعلام- و الواضح أنها سلسلة عمليات تجميلية، أثنى الجميع على إطلالته المبهرة و جلده اللامع النظيف، إلا صوتاً رفيعاً من بعيد: الحاكم أنيابه كبيرةٌ و فمهُ ملطّخ بالدم.

راح الحاكم يدسّ مخالبه تحت كمّيه، و الصوت ظلّ يعلو.

كان صوت طفلٍ أيضاً.

………………………..

لعبة

جالسين كنا بانتظار الدفعة الأخيرة من الأوراق، لن نغادر قبل الانتهاء من العمل. وجّهتِ الحديث إلى  الجميع منتبهٍ و لاهٍ:

لو كانت حياتك فيلماً سينمائياً، أيّ اسمٍ تختارُ له؟ أمامي كتابٌ أقرؤه، و رأسي تتعارك فيه المشاهِدُ، صحّتي التي دفعتِ المشاريع إلى مقعد متأخر، صعوبة التأقلم مع الأجواء الجديدة أفسدت الأهداف المنظمة، حفرة الأعباء الحياتية و غياب الأب و تمرّد الأخ الأكبر ابتلعتْ أجملَ الآمال، أيام الجامعة … آه منها، أسدت إليّ معروفاً أنها تبخّرتْ بتفاصيلها النتنة من  عقلي، ظلّ الألم.

لابأس. بغنى أنا عن حفنةِ صور.

أرى نفسي عجوزاً لا صوت لها تدفع بيدين مجهدتين زحاماً أمام القطار، الوجوه في الداخل تعرفها تماماً

إنما لا تذكرُ اسماً، و صفيرٌ مدوّ يتركني على الرصيف.

أقفز من غفلتي: “أحلامٌ مؤجلة”

ينظر الجميع إليّ باستهجانٍ. لعلّي أخطأت السّمع، أو لم يسألْ أحدٌ شيئاً!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى