أهم الأخباركتاب

لم يجد ورقاً … بقلم خولة سامي سليقة

 

” من صاحب كلب يتحمّل عضّته”هذا الحيوان الذي استأنس قبل أربع عشرة ألف سنة، لم يُغفر له إن استخدم أنيابه مرّة! بخطّ أسود جميلتصدرت العبارة جدارَ شارعٍ عريضٍ،رأيناها أثناء انتظارنا في السيارة،ضحكنا جميعا و دار بيننا حديث مثيرٌ حولها:ماذا يحضرك عندما تسمع ( ثقافة الشوارع أو جداريات ) ؟

أجابني البعض: إنها نتاجات فئةليس للمعرفةوالثقافة الأصيلة طريق إلى عقول أفرادها فلا ثقافة لهم أصلاً، رأىآخرونأنها ثقافة الشتائم التي تسرح و تمرح على الأرصفة و في أروقة وسائل التواصل و غيرها بلا وعي أو مسؤولية ،غيرهم رآها سياسة همجية ناجحة،تهاجمش خوصاً بارزين بغية أهداف أخرى يديرها آخرون في في الظلّ، و أجمل رأي فيها أنها فكرة ملحّة على رأس صاحبها، خشي ضياعها و لم يجد أمامه ورقاً.

تتعدّد الآراء فيها لكنها تظلّ تلك الحِكم التي تصبغ الجدران و الأسوار، في شوارع المدن أو المناطق الصغيرة. تقرؤها و أنت بكامل سخريتك،تقهقه طويلاً لمصداقيتها الغريبة حيناً، أو لأنك تشعر بحيرةٍ حول كيفية وصول هؤلاء إلى تلك الحكم و هم ..لا، لا ليسوا سيئين بالمجمل كما يظن كثيرون.

نعم كتبوا خلسة بعلب التلوين الرشاش،بخطوطتتفاوت بين الجودة و الرداءة، مخلّفين توقيعاً قد لا يقود إلى أيّ منهم.لكنهم كتبوا.

هل كانوا مشاريع كتّاب أو فلاسفة مثلا، ثم سرق الفقر و الجوع الموهبة إلا ظلّها؟

هل عدِموا من يسمع نداءاتهم، حينها خرجت إلى العلن على هيئة نشرة إجبارية معمّمة؟

الشارع جزء من كل وطن، فيه التحية و الأحاديث الوديّة، فيه السلاح الشجار الحرب. فيه سلال أحلام بألف لون تتدلى هنا و هناك،أفرغتها الريحُ و ظلت الأرواح تصفر. لكن أبرز ما في الشوارع جدرانٌ لا يحتمل البعض بياضها،نتقبّل الرسومات الملونة الهادفة من قبل الفنانين أو الإعلانات الكبيرة فوقها،لكن كيف ننظر إلى الرسائل أو كما يسميها كتّابُها ” ذكرى من فلان بن فلان بن فلان”كأنّه حريص على أن نصل إليه بدقة بلا عناء؟

لا يخفى علينا أن هذا الجدار جزء من الشارع،لعبدوراً بالغ الأهمية في آخر التطورات التي طرأت على معظم البلاد، و ما جرى و يجري فيها من حروب و دمار ، ملأت العبارات المناوئة للسلطات و الظلم كلّ حيّ أو واجهة في مدينة،استغاث كثيرون عبرها طالبين المعونة بعد القصف و الجوع و التشرّد،مجّد بعضها الأبطال و الشهداء الذين قضوا في صمت و بلا رحمة،محرّضين الجماهير في عباراتٍ أخرى على الاستمرار في النضال. لن ننكر أنّا جميعاً نقرأ ما يُكتب و لو ادّعينا غير ذلك.

تستوقفنا العباراتُ من باب الفضول أو الاستنكار، أو استحسانالمعنى فقط.

ذكرت إحدى الحاضرات حادثة قديمةً، عن جارة لمنزل ذويها لم تكن تهدأ في بيتها،

كانت من عشاق الزيارات من طرف واحد،تعتب على من لا يزورها و ما من أحد

يحاول رد الزيارة لها إلا و تكون قد خرجت. صار زوارها يكتبون بالفحم قرب باب

منزلها من باب المزاح و لتبرئة أنفسهم من التقصير: جئنا و لم نجدك فلانة و أم

فلان و وو. حتى غدا جدارُ بيتها متحفاً يبكيك ضحكا لو قرأت ما عليه.

و لو استعرضنا ثقافة الشارع هذه، لوجدنا أن دولاً بلغت شأوها من التقدم و التطور

لم تستطع القضاء على هذه الظاهرة،في أعظم مدن العالم ثمة شوارع و أزقة خارجة

عن نطاق السيطرة، لا يجرؤ شرطيّ على دخولها أو مساءلة من فيها عن تجاوزاتهم

أو عبثهم بالجدران،فرسائلهم المكبوتة تلك لا بد أن تصل شاء من شاء و أبى من

أبى، هي متنفّسهم الوحيد في غضب أو فرح.

من الحوادث التي أضحكتني، أن صاحب منزل يقوم على الدوام بطلاء جداره الأبيضِ

المطلّ على الشارع،لكثرة ما عليه من الرسائل و الخربشات،ثمّ يعيدُ عشّاق الكتابة

على الجدرانالكرّةَتاركين رسائلهم عليه،و بعد أن أنجز طلاءهالأبيض الجميل آخرَ

مرّة علق لوحة كتب فيها: الرجاء عدم الكتابة على الجدار .

فما كانمنهم و احتراما لرغبته، إلا أنكتبوا عشرين رسالة على الجدار تقول كلها:

أبشر طال عمرك!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى