أهم الأخباركتاب

من فضلك.. لحظة! للشاعرة خولة سامي سليقة

 

كم مرة قلناها لمن يقف خلف الكاميرا محاولاً التقاط صورة لنا: لحظة .. لحظة من فضلك!

في الواقع لا علم لي حول السبب الذي يجعلنا نثيرُ جنون المصوّر و نتعبه أو أيّ شخص يحمل الكاميرا، في اختيار طريقة الوقوف أو الجلوس أو حركات الأيدي أو ربما الملامح التي تظهرنا على خير وجه، نثق بأننا نكذب، نتصنّع الحالة لأنها لم تكن عفوية تماماً بلا تحضيرٍ مسبقٍ، لكننا المطبوعون على الزيف، مصرّون على تبديل الوقائع.

حين تمتدّ أيدينا تنبش أدراج الصور و ألبوماتها المتورمة حنيناً، نتناسى ما خلف ابتسامتنا في تلك اللحظات، نتجاهل ما حدث قبلها أو بعدها و نخبر الآخر عن أجمل ما نراه فقط، عما رسمناه في رؤوسنا قبل أن يسقط على الورق، إذ لسنا ممن يحلمون بإيقاف الزمن البتة، لكننا نسعى إلى تطويعه على هيئة أخرى يذعن فيها لضحكات لحظيةٍ أو علامات انتصار وهمية.

نجتمع في الصورة أحبة و أعداء على أرض الحقيقة، تشع أرواحنا نقاء و عيوننا بريقاً بل تشقّ ابتساماتنا حواف الصورة، خلف أردية مختلفة من الحسد أو الغيبة و النميمة. حتى إن بعضنا يلجأ إلى  قص بعض الصور إن استبدّ به الكره لشخوص بعينها تظهر في الصور معه، لا يحتمل نفاق الماضي طويلاً، يثقله مقدار الكذب المختبئ خلف ساعةٍ متوقفةٍ و ما عاد يستطيع له

احتمالاً.

كم عاشقةٍ مزّقت صور حبيبها في ثانية غضب أو خيانة أو خيبة أو فراق! بينما كان آمالاً راسخة لها في القلب لا تزول، تفقد عندها الصورة الفوتوغرافية منطقيتها و الغرض الذي من أجله وجدت، إذ أخذت – كما قيل – كلمة (فوس) من اليونانية تعني الضوء و غرافي تعني الرسم أو الكتابة و معاً يقصد بهما (الرسم بالضوء).. فإن أعادتنا اللقطات تلك إلى العتمة، ما العمل؟

إننا في الغالب أصبحنا نحتفظ بالصّور التي تبدي جمالنا، أناقتنا، تميزنا كما نعتقد في موقف ما، إذ صار بإمكاننا تكرار الالتقاطة مرّات و مرّات للاحتفاظ بالأفضل بينها، حتى غدا البون شاسعاً مخيفاً بين الواقع و الصورة، نضفي عليها ما نحلم بامتلاكه شكلاً و هيئةً، نتلاعب بالتفاصيل حتى الوصول إلى لوحة ذهنية من المرئيّ، تشبه شخصيةً ما تروق لنا ضمنيّاً أو مما نتخيله في غرف

رؤوسنا البعيدة عن الضوء.

الأكثر إيلاماً لأرواحنا حين نفتح بطون الأمس، نبصر صوراً لأحبتنا في أواخر أيامهم في مرضٍ، في علاجٍ و غيره أو أن كلّ من في الصورة غادرونا و بقيت أصواتهم مع خيالاتهم و نظراتهم تجول بين الدمعة و الذكرى، نمرّغها بوجوهنا، يأكلنا الندم أنا ما استثمرنا كل لحظة صغيرة برفقتهم، ما شبعنا من حضورهم، قصّرنا في اهتمامنا بهم، ما منحناهم الوقت الذي يستحقونه

و ما استمعنا إلى قصصهم كلها.

بل لم نعرفهم كفايةً و هم أقرب الناس إلى قلوبنا. ندرك أنّا ماضون خلفهم لكننا نحزن من أجلنا و من أجلهم، ننسى كغيرنا أن نهيّئ أنفسنا لرحلة مفاجئة بعدهم، ننسى أن نعيش الحياة بكامل دروبها و فصولها مع من نحب، قبل أن نتحول إلى

ورقةٍ أو صورةٍ لم تأخذ من الحياة إلا حصّةَ ضوءٍ صغيرة .. و لحظة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى