نحن أمة اقرأ … بقلم: غنيمة حبيب
تعد القراءة أحد أهم عناصر تنمية قدرات الإنسان الفكرية وأداة لصقل الإمكانيات والمواهب وتوسيع المدارك، وتحديد سبل التواصل والتفاعل الإيجابي مع الآخرين، ونحن العرب لنا بذلك عبرة وعظة، فقدر ازدهرت حضارتنا ونمت في منذ ظهور الدين الإسلامي، فتوسعت حدود دول الخلافة وانتشر الفكر الإسلامي، وقد كان للقراءة دور كبير في التواصل والتبادل المعرفي مع الأمم الأخرى.
ونظرا الى اهمية القراءة في التواصل فقد كانت أولى كلمات الوحي على سيدنا محمد صلى الله وآله وسلم:» اقرأ باسم ربك الذي خلق»، فعرف العرب بـ “أمة اقرأ”، ولعل ذلك كان تمهيدا من الله سبحانه وتعالى لما هو مقبل من انتشار الدين الإسلامي بين الأمم الأخرى، ما استوجب من المسلمين أن يكونوا قارئين لتسهيل عملية نقل الرسالة السماوية ونشرها.
وانطلاقا من هذه الأهمية فقد ارتأت الرابطة الوطنية للأمن الأسري «رواسي» إعداد خطة مشروع القراءة في المدارس، وكان ذلك نتيجة لما حصدت من ثمار خلال تجربة الرابطة في «نادي اقرأ مع رواسي»، اذ رغم الصعوبات التي واجهتها في البداية قبيل أربعة أعوام، حين بدأت التجربة بثلاثة أفراد، إلا أن عدد أفرادها الآن تجاوز (70) منتسبا، وتشهد الأمسيات التي تقام حضورا مميزا، سواء من المنتسبين أم من الضيوف، ما يؤكد نجاح التجربة وينبأ بمستقبل قابل للمزيد.
لقد بدأت تجربة “رواسي” بحوارات حول تنمية الفرد والمجتمع المشكلات والقضايا الاجتماعية التي تلامس المجتمع الكويتي، ومع تزايد العدد المشارك والحضور المتنامي توسعت الآفاق، وازدادت الثقة بالنفس لدى الأفراد، حين كان التغير في شخصياتهم لافتا للغاية، وأصبحت نقاشاتهم تنم عن وعي وإدراك، كما أصبحوا يمتلكون مهارات الحوار الإيجابي، فارتفع حجم الطموح لننتقل لمناقشة الدراسات العلمية والكتب الاجتماعية والمواضيع الأدبية وغيرها.
إن تجربة نشر القراءة في المدارس ليست أمرا جديدا نود تجربته فقط، إنما هي فكرة مستوحاة من أنظمة تعليمية متطورة، ففي مدارس الولايات المتحدة تتم القراءة لمدة ساعة في بداية الدوام اليومي، ليس من قبل الطلبة فقط بل من قبل كل العاملين في المدرسة، فالقراءة أساس يضمن الانخراط في المجتمع، ويتيح فرصة الاندماج مع الآخرين، ولا بد أن أشير هنا الى تجربة ابني الخاصة ودراسته في الولايات المتحدة التي جعلته مواظبا على القراءة اليومية حتى الآن، سواء كان في فترة الاستراحة أو في فترة ما قبل النوم.
ولا يتوقف الأمر على الدول الغربية، إذ نجد أنفسنا اليوم أمام تجربة إماراتية فريدة، فقد أعلنت وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات عزمها طرح مناهج دراسية في العام المقبل مبنية على معايير تعزز مفاهيم ومهارات القراءة لدى الطلبة في جميع المراحل التعليمية، كما تعتزم إفراد درجات للقراءة الحرة لتدعيم الاستراتيجية الوطنية للقراءة التي تمتد للعام 2026، كما أعلنت دولة الإمارات العام الحالي عاما للقراءة والترويج لها كأسلوب حياة، فأطلقت مشروع « تحدي القراءة» كمشروع إقليمي يشارك فيه ما يفوق المليون من الطلاب العرب، ووضعت أمامهم نحو 50 مليون كتاب للقراءة خلال العام الدراسي.
وبالعودة إلى تجربة الرابطة «رواسي» يمكن القول أنها تجربة جديدة وبادرة اجتماعية آخذة بالتطور لكنها غير كافية، فالرابطة جهودها وقدراتها محدودة ولا تكفي لمستوى التفاعل المطلوب، وتحتاج إلى دعم ومشاركة مجتمعية واسعة، ومساهمة مؤسسات الدولة ووزارتها ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات العمل التطوعي، وكل جهات التي تسعى الى تنمية قدرات ومهارات أفراد المجتمع الكويتي.
لنقرأ جميعا، فالقراءة تفتح الأذهان، وتنمي المهارات، وتدعم القدرات، وتوسع المدارك، وتعلم التواصل وتقبل الآخر، كما أن القراءة تعلم الفرد كيف ينظر للمشكلات والقضايا المستجدة من زوايا عدة فيمتلك مهارة بعد النظر، ويكون قادرا على مواجهتها، فلا يتعجل الحلول، ولا يقلل من أهميتها، بل يكون قادرا على تقيم المشكلة بصورة شاملة ودقيقة، ويختار من بين بدائل الحلول ما هو أنسب.
لنشجع الأبناء على القراءة من خلال غرس قيمة حب المطالعة، لنكن قدوة لهم، نقرأ لهم، ونقرأ معهم، لم لا ونحن أمة اقرأ.
كاتبة كويتية